المركز العربي للتحليل السياسي - رئيس المركز المحامي ادوار حشوة

The Arabic Center for Political Analysis - President Adwar Hachwa Attorney in Law

 Home   The Author   Books      Articles       Forum     News  Literary Articles   Syrian Pictures     Content     Contact us

     الاتصال       دليل الموقع          صورسورية         مقالات ادبية            اخبار      اعلن رأيك      مقالات            كتب        الكاتب   الصفحة الأولى

 

 

 

 

 

 

هاشم الأتاسي و القيم التي لا تسقط أبداً ...

   المحامي إدوار حشوة

 

التاريخ و القيم و المبادئ نادراً ما تجتمع في رجل دولة كما اجتمعت في هاشم الأتاسي .

ولد في عام 1873 ظل الدولة العثمانية و تلقى العلوم العالية في مجتمع عربي متخلف و فيه قيود سلطوية على تعلم اللغة العربية و في زمن قياسي صار يتحدث و يكتب بثلاث لغات هي العربية و التركية و الفرنسية , و حصل على شهادات علمية عالية .

هذه المؤهلات العلمية جعلته جديرا و مطلوباً للعمل في السلطات الإدارية للدولة العثمانية فعين في وظائفها متنقلاً من الأناضول إلى سورية الداخلية إلى الساحل اللبناني إلى فلسطين إدارياً ناجحاً و قانونياً محترماً .

خلال فترة عمله في وظائف الدولة العثمانية كان ملتزماً بولائه للدولة التي يخدمها دون أن يتخلى عن اعتزازه بالانتماء إلى العروبة و في خدمة مطالبها و العطف على الحركات الإصلاحية العربية التي كانت تنادي باللامركزية و تدريس اللغة العربية كلغة رسمية في الولايات العربية و بان تكون الخدمة العسكرية ضمن هذه الولايات ..

و حين انهارت الدولة العثمانية بعد ثورة الشريف حسين نقل ولاءه للدولة العربية فوجده الملك فيصل موظفاً متعلماً و ملماً بشؤون الادارة فاعتمده .

و حين غدر الحلفاء بالشريف حسين و لم يفوا بوعودهم له بإقامة دولة عربية في بلاد الشام و العراق و حين قسموا المنطقة وفق معاهدة سايكس ـ بيكو فيما بينهم و رفضوا منح الولايات العربية الاستقلال وجد نفسه في صف الحركة الوطنية مقاوماً عنيداً للاحتلال الفرنسي .

استمد هاشم الاتاسي قوته الحقيقية من الناس الذين أحبوه في حمص و احترموه أكثر من أي نفوذ اقتصادي و حتى دون أن يكون له حزب خاص فخر به كان الوطن السوري العربي على اتساعه .

وظف هاشم الاتاسي تاريخه في العمل الإداري في مختلف بقاع الوطن السوري في خدمة القضية الوطنية لأنه أنشأ شبكة من العلاقات السياسية مع القادة في مختلف المدن في بلاد الشام دافعا بهم إلى العمل الوطني .

قيادة هاشم الاتاسي لم تكن جماهيرية بالمعنى الذي عرفناه في الخمسينيات بل كانت قيادة للنخب التي اصطفاها .و حاورها بعيداً عن صخب الشارع واضعاً أمام عينيه هدفاً استراتيجياً هو ترحيل المحتلين و ما عدا ذلك من مناصب و منافع كانت عنده من التفاصيل التي لم يتوقف عندها و لا هي استطاعت ان تغريه لكي يتنازل عن هذا الهدف الإستراتيجي في حين أن الكثيرين ركضوا وراءها مقدمين المصالح الشخصية و المركز على القضية الأساس .

كانت المناصب تركض وراءه و لم يركض هو وراءها و حين تتأزم الأمور و يتصارع الكثيرون على السعي إليها كان هاشم الاتاسي هو الحل .

عرض عليه الفرنسيون رئاسة الجمهورية فوضع شروطه و هي الإنتخابات لأنه يريد رئيساً ينتخبه الناس و لا يعين بقرار من المفوض السامي الفرنسي و يريد معاهدةو جدولاً زمنياً لإنهاء الإنتداب و الوصول بالبلد إلى الإستقلال .

لم تنفع الرئاسات التي عينها الإنتداب في تحقيق الإستقرار للفرنسيين فذهبوا إليه مجدداً قابلين بشروطه فعقد معهم معاهدة 1936 التي رفض البرلمان الفرنسي التصديق عليها فأدار لهم ظهره مجدداً .

و حين انهزموا في الحرب العالمية الثانية و جاءوه قابلين بالمعاهدة كان جوابه أن الساقط لا يعود و ان القضية الآن تجاوزت المعاهدة إلى الإستقلال الكامل و الجلاء عن سورية .

و حين جرت انتخابات عام 1943 و فاز الوطنيون فيها كان من المنطقي أن تختار الكتلة الوطنية هاشم الأتاسي لرئاسة الجمهورية و لكن قادة لكتلة دفعوا بشكري القوتلي مرشحاً و هو دونه في العلم و في الحكمة و التاريخ و القيم فتنازل له عن الرئاسة لكي تبقى الكتلة الوطنية موحدة و تنجز تصفية الإنتداب .

و حين انتهت ولاية شكري القوتلي و حاول أتباعه التجديد له للحفاظ على مكاسبهم خلافاً للدستور و أدى الأمر إلى وقوع أول انقلاب عسكري على السلطة الدستورية وقف هاشم الأتاسي ضد هذا العدوان على المؤسسات الدستورية علناً .

و حين سقط حكم حسني زعيم و جرت الإنتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستوراً تم انتخاب الأتاسي بإجماع كبير رئيساً للجمهورية .

في هذه الفترة كانت تواجهه قضية تدخل الجيش في السياسة فوقف ضدها بصلابة داعياً الجيش إلى العودة إلى ثكناته و مصمماً على إخضاعه للقرار السياسي .

و حين جاءه الشيشكلي مع عدد من الضباط بقائمة مطالب سياسية طرده من القصر الأمر الذي أدى إلى انقلاب أخر يقوده الشيشكلي الذي عين الزعيم فوزي سلو رئيساً للدولة ريثما ينجز عملية انتخاب الشيشكلي للرئاسة .

وقف هاشم الأتاسي ضد ديكتاتورية الشيشكلي و دعا إليه كل القيادات السياسية على اختلافها لوحدة وطنية جامعة          

تدعو إلى إسقاط هذه الديكتاتورية وإعادة الحياة البرلمانية وإبعاد الجيش عن السياسة .

والمدهش أن هاشم الأتاسي استطاع في زمن قياسي أن يجمع تحت قيادته الحزب الوطني وحزب الشعب على خلافاتهما والحزب العربي الاشتراكي بقيادة الحوراني على اختلافه مع الجميع .

وعقدهاشم الأتاسي أول وأضخم مؤتمر سياسي في تاريخ سورية في حمص والذي فيه تقرر العمل على إسقاط الديكتاتورية .

هذا لتضامن الشعبي الواسع وهذه الوحدة الوطنية هي التي أدت إلى نجاح انقلاب عسكري قاده من الشمال مصطفى حمدون من حلب متعاوناً مع فيصل الأتاسي قائد المنطقة الشرقية فتم إسقاط النظام الديكتاتوري بدون أي صدام عسكري ....

الحركة العسكرية التي أدت إلى إسقاط النظام لم تكن تملك قوة عسكرية ذات شأن وكان بالامكان قمعها بسهولة ولكن المد الشعبي الواسع كان هو القوة الحقيقية التي جعلت الشيشكلي يرحل ....

وحين جاء مصطفى حمدون إلى الزعيم أكرم الحوراني عارضاً عليه الاستيلاء على السلطة بعد رحيل الشيشكلي رفض الحوراني ذلك وأصر على تنفيذ مقررات مؤتمر حمص في بيت
هاشم
الأتاسي .

وحين سأله الضابط عن السبب قال الحوراني إنني أعرف ماو راء هذا الخاكي وصرفهم ونجح الانقلاب على قاعدة إعادة الحياة الديمقراطية .

وكثيرون في حزب البعث العربي الاشتراكي أخذوا على الحوراني عدم موافقته على الاستيلاء على السلطة في حينه وظلوا يضمرون له الحقد بسبب موافقته على إبعاد الجيش عن السياسة .

في هذا المجال كان الحوراني يتصور أن الجيش يمكن أن يكون قوة تساند الحركة الشعبية التقدمية ولكنه أبداً لم يقبل أن تكون بديلاً عن الشعب ولا فوقه .

وحين حاول بعض مريديه في الجيش العصيان في قطنا ضد شكري القوتلي بعد عودته للرئاسة نهرهم وأحبط الائتلاف وأرسلهم ملحقين عسكريين إلى موسكو وعادت الديمقراطية .

كان هاشم الأتاسي في نظر الحوراني رجل دولة وزعيماً محترماً ولم يدخل معه في أي خصام لأنه كان يؤمن أنه رجل سورية في الأزمات وكل السياسيين سيحتاجون إلى حكمته .

هاشم الأتاسي كان من بين حكام سورية وقادتها هو الأنظف فلم تلوث سمعته بأي فساد وحين جاءه حسن جبارة بميزانية القصر الجمهوري يوماً وفيها بند ( منه ألف ليرة مصاريف مستورة ) قام بشطبها وقال له .. هاشم الأتاسي لا يقبض من أحد ولا يدفع لأحد وشطبت المخصصات السرية !

وفي القصر الجمهوري كان يفرض على مطبخ القصر حاجته البسيطة من الطعام دون بذخ ولا تبذير وحتى بعض أبنائه كان يرفض أن يساكنوه القصر مادام لديهم أعمال وموارد .

وحين جاءه عبد الحميد السراج مع بعض الضباط طالباً إعلان الأحكام العرفية وتخويل  المكتب الثاني سلطات الاعتقال والقمع بعد مقتل المالكي رفض ذلك وحاول ضربه بعصاه وطرده  . 

وحين سقط حكم الشيشكلي أعاد الحياة والبرلمان والحكومة معلناً بطلان العدوان على المؤسسات  الدستورية .

وظل هاشم الأتاسي في الرئاسة يعاني من استمرار تدخل الجيش في السياسة وبشكل متصاعد بعد مقتل المالكي الذي صار ذريعة لهذا التدخل إلى أن تم انتخاب القوتلي مجدداً للرئاسة فقام لأول مرة بتسليمه السلطة في احتفال كان هدفه الأول منه هو التأكيد على مبدأ تداول السلطة سياسياً لا عن طريق الثورات ولا الانقلابات فاوجد في الوجدان السوري قاعدة للديمقراطية ما  تزال حتى الآن تمثل أحد أهم مطالب الحركة الوطنية .

وفي زحمة الصراع مع الاحتلال تم مع اللاهثين وراء المناصب بعد زواله ثم مع العسكريين الطامحين للسلطة لم يتخل هاشم الأتاسي عن مبادئه العربية فذهب رئيساً للوفد العربي  الذي أنجز المصالحة بين اليمن والسعودية في زمن قياسي وأوقف الحرب بينهما .

وحين قامت الوحدة بين مصر وسورية لم يقف ضدها ولكن نظرته إلى مستقبلها في غياب الديمقراطية كانت حاضرة دائماً .

هذا الرجل كان بامتياز ( أبو الدستور السوري في ظل الانتداب وأبو الدستور السوري عام 1950 والذي هو أفضل الدساتير وأكثرها صوناً للحريات وفصلاً للسلطات واحتراماً لكل مكونات النسيج السوري ....... 

لذلك فحين تكرم حمص وسورية ذكرى الرجل فهي تكرم التاريخ والقيم والمبادئ وقد تسقط قيم كثيرة ولكن نظافة هاشم الأتاسي وحكمته والتزامه بالدستور ودفاعه عن الحريات لا يمكن أن تسقط أبداً .

=الامين العام المساعد لحركة  الاشتراكيين  العرب-المعارضة -01-5-2006

 

Articles

Copyright © 2012 Hachwa
Last modified: 03/19/13 
Hit Counter