المركز العربي للتحليل السياسي - رئيس المركز المحامي ادوار حشوة The Arabic Center for Political Analysis - President Adwar Hachwa Attorney in Law Home The Author Books Articles Forum News Literary Articles Syrian Pictures Content Contact us الاتصال دليل الموقع صورسورية مقالات ادبية اخبار اعلن رأيك مقالات كتب الكاتب الصفحة الأولى |
|
حمص والشاعر أمين الجندي محاضرة: ادوار حشوة
لكي ندرس شاعراً لابد أن نبدأ بالبيئة التي فيها نشأ وتأثر فالبيئة تساهم
كثيراً في صناعة العبقرية وتؤثر على توجهات الشاعر الإنسانية والعاطفية ولا
يمكن عزل هذه البيئة في ولد أمين الجندي في حمص 00 حمص كانت دائماً مدينة تعددية في نسيجها البشري والروحي ومن هذا التعدد أخذت طابعها المعتدل في التعامل مع الآخر وفي التعايش معه .. لم تكن حمص مدينة عنيفة فقد ورثت من العرب خيرهم حين استوطن فيها العرب العاربة عرب اليمن الذين جاءوها من بؤرة حضارية في الجزيرة ومن مدينة جعده شمالي صنعاء /70/كم حيث إلى الآن إذا ذهبت إليها تسمع اللهجة الحمصية المحببة من بدي وقلتلي إلى حاجي عاد .. والمعروف أن العرب على نوعين هما العرب العاربة وهم أهل اليمن والعرب المستعربة الذين تصاهروا مع إسماعيل بن إبراهيم الخليل ومنهم جاء الرسول العربي .
وقد ورثت حمص من سكانها الآراميين خير ما في
حضارتهم من علوم وطب وشعر
وحين جاء الفتح العربي و كانت سورية محكومة بالرومان0 تداعى النسيج البشري إلى
استقبال الفتح سلماً وصرخ أبو
الجعيد صرخته المشهورة .. إن إله النقمة أرسل لنا
العرب ليخلصنا من ودخلها خالد بن الوليد ولم يسفك فيها دماً وأحبه الجميع فاختارها مكاناً لراحته الأبدية وصار حارساً لحمص العدية .. هذه الواحة الخضراء التي تسير مع العاصي من الهرمل إلى الرستن والتي تجاور الصحراء شرقاً وجبال لبنان غرباً كانت مركزاً اقتصادياً في وسط سورية فنمت فيها حركة التبادل التجاري ووفر لها هذا الموقع الموارد فتعلم أبناؤها باكراً عن غيرهم . الصناعات ا لا ولية اليدوية كانت في بيوت أهلها أنوالاً تنسج الحرير وحطات وألبسة تمثل أحلى اللوحات الفنية في تاريخ المصنوعات الشرقية . كان مار اليان طبيباً شافياً أحبه الناس وحين قتله الرومان قدسه الجميع وبه تبركوا حتى الآن . ومن حمص جاءت جوليا دومنا ابنة كاهن معبد الشمس الذي كان أكبر معابدها في الشرق حيث فيه الحجر الأسود تماماً كالحجر الأسود في مكة ... هذه الصبية الحمصية جددت عرش الإمبراطورية التي كادت تنهار بسبب خلافات فرسانها فحكمت روما مع زوجها وولدها كاراكلا وابن أختها 45 عاماً . وكما نقل ا لقرامطة الحجر الأسود من مكة إلى البحرين لكي يجعلوها قبلة الناس إلى دولتهم نقلت جوليا الحجر الأسود من معبد حمص إلى رومه ... هذه المدينة لم تولد من فراغ ولا هي قامت فجأة بإرادة حاكم بل تطورت بصورة طبيعية عبر التاريخ من آلاف السنين وجاورت تدمر وكتنا ومريمين وبحيرة قدس .... هذه المدينة لم تقبل الخنوع ومع أنها تبدو للآخرين بسيطة وطيبة وهادئة إلا أنها في العمق تعرف طريقها إلى القيادة وتعرف كيف تقاوم .
في حمص لا نسمع اصوات
السيوف ولا هدير الغاضبين ولا نرى خناجر تقتل ولا
بيوتاً تنسف كل ذلك خارج طبيعة حمص وخارج وسائلها السياسية في العمل العام فهي تصنع غضبها بصورة مختلفة وتوزع احتجاجاتها عبر شبكات عديدة سريعة التوصيل ... توشوش وتهمس وتتطلع يمنه ويسرى وأحياناً يكون صمتها بلاغاً .... العمل بالوسائل السياسية شهادة لها وليس ضدها .... وهي مدينة لا تقاتل حيث من المحتمل أن تقتل ولا تسلم شبابها لجلادين 000ومن يسلمك رأسه إذاً كنت ستحاوره بالسيف ؟ هذه المدينة لا تبحث عن المفاجأة ولا تكتفي بها ولا تهتم بالشعارات وهي تريد دائماً وضعاً لا يضطر فيه الإنسان أن يضع عقله على الرف . مدينة متعايشة يمكنك أن تجد فيها على طاولة واحدة في حديقة الروضة شخصاً يملك الملايين وشخصاً لا يملك سوى ثمن فنجان القهوة ولا يشعر أحدهما بطبقية ضد الآخر ويتحاوران وقدسميت هذه المدينة بالعدية وهيى تعني الا رض الطيبة او العدي أي جماعة القوم الذين يعدون لقتال العدو وربما هذه التسمية جاءت حمص منذ الحروب الفرنجية حيث كانت حمص مركزا لا عداد الجنود0. هذا الوضع أهل حمص على امتداد التاريخ أن تكون نموذجاً للتعايش الوطني وتعايش الأفكار وحوار العقل وأن تكون مصدراً لعبقريات عديدة ليس أمين الجندي إلا واحداً من قافلتها الطويلة 0 هذا الوضع جعل حمص مدينة العلم والتعايش وقاعدة الحوار والديمقراطية في سورية حين تختار هذا الطريق .... أول ما تحتاجه الديمقراطية هو روح الحوار واحترام التعدديات والبحث عن نقاط الاتفاق ونبذ العنف وكلها متوفرة في الاعتدال العام الذي وفرته الطبيعة ووفره التاريخ لهذه المدينة .... في هذه الأمسية أتوقف عند شاعر أحب الحياة ولها غنى أحلى القصائد مبدعاً قدوداً ما يزال الحنين الشعبي إليها مستمراً .
هذا الشاعر هو أمين الجندي ... لم يأخذ حقه من
التكريم مع أنه كان علامة إبداع بدليل أن الناس مازالوا يغنون قصائده من بلاد
النهرين إلى الشام .. إلى درجة أن ديوانه الذي جمعه
الشيخ زكريا الملوحي عام 1321
هـ عن دار المعارف بالقاهرة ورد على غلافه العبارة 0 ولادته ووفاته 00هناك خلاف حول تاريخ الولادة والوفاة فرشيد الملوحي حدد الولادة عام 1802 في حين ان رواس القلعجي في كتابه امين الجندي حدد الولادة بعام 11766اما ادهم الجندي في كتابه اعلام الا دب والفن فقد حدد الولادة بعام 1764 اماالوفاة فحددها بعام 1837 اما د 0عمر موسى باشا فقد حددها بعام 1841 اما كتاب الحياة الموسيقية فقد حدد الوفاة بعام 1840 0 والصحيح ان الولا دة تمت في عام 1764- 1766 اما الوفاة فيجب ان تكون بين عامي -1840-1841 لانه بهذا التاريخ انسحب ابراهيم باشا من سورية التي ورد ان ابراهيم باشا دعا الجندي للذهاب معه الى مصر عند انسحابه من يلاد الشام الذي تم عام 1841
العائلة 0000
لم يكن زنديقاً ولا سكيراً لا يفيق ولكنه كان يتصف بالاعتدال في
الغزل فلا يذهب به إلى الفحش ويظل على الخطوط بين الهوى
العذرى والجنس مبتعداً عن الكلمات التي تمس الشعر في عصره كان في المديح للحكام والولاة ولكبار رجال الدين وهو في هذا المجال ترك اشعار مديح استغرقت أكثر من نصف ديوانه . أمين كان يبدأ مديحه بالغزل متبعاً نهجاً قديماً وعن هذا الطريق كان يجد الحماية لغزله من الممدوح الذي غالباً يكون قوياً ومحترماً . وبسبب هذه البيئة المضادة لقدوده وغزله فإن أشعاره رحلت إلى بيئة أفضل فيها مساحات أوسع لحرية الشعر والفن والحب فكانت حلب هي الأولى .. وقد أشار الشاعر إلى موقف أهل حمص منه بسبب شعره الغرامي وبعضهم كفره فقال :
وقد شكا أمين الجندي موقف أهل حمص من شعره إلى الشيخ عمر اليافي في دمشق الذي سبق أن درس على يديه فقال له لا تهتهم بأقاويلهم .... اذهب فأنت أشعر أهل الغرام لذلك وجدنا أشعاره تهاجر من هذه البيئة إلى حلب حيث مساحة الحريات أوسع حيث انتشرت أشعاره. وقدوده وتحولت إلى أغنيات شعبية فسارت مع الركبان ورقص معها ولها الناس فسميت بالقدود الحلبية زورا في حين أنها من تأليف هذا الحمصي . وحين أصيب امين بالفالج ولم يجد له الأطباء دواء على أساس القاعدة الشعبية داء الفالج لا تعالج .. توسل رسول الله شعراً وقداً ليشفيه ...
ياسماء طاولتها 00 سماء ويقال أنه قد رأى في الحلم رسول الله فشفاه فقام في عيد الفطر وصلى ثم انشد قصيدته الطويلة المعروفة بالقصيدة التوسلية وهي من أجمل الأشعار الصوفية 0ومطلعها 00
أنه كان شاعر أهل الغرام في بلاد الشام تماماً كما كان نزار قباني في بداياته وتلقي الحجارة على أشعاره . عندما توفي رثا ه الشيخ زكريا الملوحي وهو جامع ديوانه فقال :
كان أمين الجندي على غرار الشعراء العرب مداحاً للحكام والأصدقاء ولكنه كان يبدأ المديح بالغزل ... من أحلى أشعاره في الغزل التي وردت في ممدوحاته ..
ويقول :
وفي مدحه لعلي الجيلاني يقول :
ويقول في مديح آخر :
ويقول :
ومن خمريات أمين الجندي :
ويقول :
أما في القدود والموشحات فكان أمين الجندي مخترعاً ومجدداً مستلمها الروح الشعبية .. من قدوده الحلوة ... ياغزالاً كيف عني أبعدوك شتتو شملي وهجري عودوك ومنها ايضاً :
ويقول :
ويقول :
ويقول في قول آخر :
ونظم قداً في خالد بن الوليد فقال :
وأخيراً قده الجميل ... هيمتني ... على وزن الرهاوي في الموسيقى 0
أيها السادة .... هذا هو ابن حمص أمين الجندي الشاعر وقد أوردت مختصرات من شعره الذي فيه الكثير مما يحفظ ويقرأ ويغني حتى الآن .... هذا الشاعر توفي عام 1275هـ 1879 ميلادي ودفن في خارج المدينة شمالي مسجد خالد بن الوليد والمهم أننا في هذه المحاضرة عرفنا بالشاعر وأعدنا قدوده الى حمص إلى المدينة الحمصية التي استولدته شاعراً غنائياً في زمن المحظورات كما أوضحنا كيف أن الأشعار تهاجر حين يقمعها الطغيان الاجتماعي تماماً كما يهاجر الناس حين يواجهون القمع السلطوي .. فالإنسان والشعر كلاهما يحبان الحرية وبها يذهبان إلى الحضارة والتطور وبدونها يهاجران ... ولكن كل طير مهاجر وكل إنسان مقموع لن يجد أفضل من الوطن ملجأً .... واليه سيعود . وتعود حقيقة القدود الحمصية إلى حمص .... وقد عادت .... 1-6-2006
|
Copyright © 2012
Hachwa
|