المركز العربي للتحليل السياسي - رئيس المركز المحامي ادوار حشوة

The Arabic Center for Political Analysis - President Adwar Hachwa Attorney in Law

 Home   The Author   Books      Articles       Forum     News  Literary Articles   Syrian Pictures     Content     Contact us

     الاتصال       دليل الموقع          صورسورية         مقالات ادبية            اخبار      اعلن رأيك      مقالات            كتب        الكاتب   الصفحة الأولى

 

 

 

 

 

 

أفكار.. في البداية

 

 

التحليل السياسي للأحداث علم قائم بذاته في البلدان المتطورة وهو لا يبحث في الماضي ويدرس حركته  فقط ولكن من خلال فهم تطور الأحداث يمكن استشراف  المستقبل ومعرفة آليات تحرك الآخرين دولاً كانوا أو جماعات دينية أو سياسية .

في البلاد المتطورة يوجد معاهد متخصصة في التحليل السياسي وهذه المعاهد تضم أفضل الخبرات في كل موضوع مع كل بلد وهي التي تضع الخطط الإستراتيجية وتقدم المشورة للسلطة التنفيذية .

وعملياً فإن الأفراد وحدهم كانوا في القديم مستشارين للحكام واليوم في العالم الحديث صارت المعاهد المتخصصة هي المستشار الأفضل بسبب الاختصاص والمعلومات والأرشيف بحيث أن نسبة الخطأ في أي تصرف تكون قليلة جداً .

في بلادنا ما نزال نطبق قاعدة المستشارين الأفراد الذين مهما كانوا على معرفة بالتاريخ والدول والأحداث فإنهم لن يكونوا أفضل من عشرات الخبراء المختصين الذين يتابعون الأحداث ويدرسون تاريخ كل بلد وسلوك الحكومات والقادة فيه.

هذا الكتاب محاولة فردية لفهم التاريخ الأمريكي المعاصر ولفهم السياسة الأمريكية ودوافعها في منطقتنا ولماذا تصرفت على هذا الشكل أو ذاك ولمعرفة نقاط الضعف والقوة في هذه السياسة .

أن على العرب أن يدرسوا التاريخ الأمريكي والسلوك السلطوي الأمريكي ومراكز التأثير في قراراته لكي نكتشف أفضل الطرق للتعامل مع دولة عظمى سواء أكان ذلك للصداقة أوالحرب .

بدون فهم الآخر والتزود بمعلومات كافية عن حركته السياسية سنبقى نعمل بأسلوب ردود الفعل بمواجهة كل حدث ونفتقد السياسة الإستراتيجية ونقع في مطبات عديدة ونخسر فرصاً كثيرة كان لا يجب خسارتها .

إن تحليل حركة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن بأسلوب يعتمد الإيجاز ولا يغرق في التفاصيل مهمته تزويد أي مفاوض أو سياسي بمعلومات عن الآخر الذي نفاوضه أو نعاديه أو نحاربه أو ندخل في تجارة معه .

 إن العلاقات العربية الأمريكية عبارة عن حقل ألغام لا نعرف متى تنفجر ولا بد من إيجاد خطوط أمان ضمن هذا الحقل وهذا لا يعتمد على جهود طرف واحد بالتأكيد ولا بد في النهاية من إنشاء مراكز متخصصة .

إن الهدف من الكتاب هو معرفة الآخر وسلوكه ومن ثم معرفة الأخطاء التي ارتكبها الطرفان العربي والأمريكي ومعرفة أسباب النجاحات التي مرت والبناء عليها .

ولأن بلادنا هي منطقة حيوية للعالم فإن الخلافات فيها بسبب النفط أو الغاز أو الإرهاب محتملة دائما ً وبالتالي علينا أن نتزود بالمعرفة الكاملة بالآخر لكي نعبر إلى بر السلام .

ولكي نحلل تطور العلاقات العربية الأمريكية لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة هي دولة الشركات والتجار وأن مهمة الحكومات فيها  أن تدافع عن مصالح هذه الشركات وأن تساعدها على تسويق منتجاتها وعلى الحصول على الامتيازات لتأمين إمدادات المواد الأولية اللازمة لها بالسياسة أو الحرب .

هذا العامل الاقتصادي لعب دوراً مهماً في تطوير العلاقات ولا يمكن فهم ومعرفة أسباب تبدل سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وأحياناً فقدان السياسة الإستراتيجية الثابتة بدون هذا العامل الاقتصادي المكون من المواد الأولية والسوق والمصارف .

1-النفط كان وما يزال هو الأهم في ترتيب المصالح الأمريكية والصراع على الامتيازات والاستثمار وحقوق التسويق أدى إلى حروب عديدة وثورات وانقلابات كانت تخفي في أكثرها الصراع على النفط .

هذا الوضع جعل الولايات المتحدة تنظر إلى المنطقة لا على أنها عبارة عن دول حقيقية بل عبارة عن آبار نفط بالدرجة الأولى وبالتالي لم يكن مهماً شكل السيادة عليها ولا نوع الحريات فيها ولا حتى تصاعد الفساد فيها والمهم هو تأمين مصالح شركات النفط العاملة واستمرار أرباحها في أكبر عملية  رابحة في التاريخ البشري .

2-ومع الصراع مع المعسكر الاشتراكي أثناء الحرب الباردة والممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية في الأربعينيات من القرن الماضي حتى سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991 صار الهم الأمريكي والغربي الأوربي عموماً هو إبعاد السوفيات عن مناطق النفط العربي ومحاربة النفوذ الشيوعي بحيث أن علاقة الولايات المتحدة بدول المنطقة تتحدد على ضوء دور هذه الدول في قمع الشيوعية والابتعاد عن المعسكر الاشتراكي في السياسة والاقتصاد والتجارة حتى ......!

3-وبعد تقسيم فلسطين بموجب قرار مجلس الأمن الدولي بين العرب واليهود توفر للغرب والولايات المتحدة الفرصة لإقامة قاعدة عسكرية حليفة لهم من مهامها تأمين معلومات عن المعسكر الاشتراكي عبر اليهود هناك وردع كل الدول العربية التي تحاول التسلح من السوفيات أو التحالف معهم أو السماح بأي نفوذ لهم في المنطقة .

4-ولتأمين الأوضاع الداخلية في المنطقة العربية وضبط شعوبها التي تعاني من البطالة والجهل والفقر فإن الولايات المتحدة شجعت على قيام ديكتاتوريات عسكرية إضافة  للملكيات المطلقة الموجودة وهذه الحكومات اتفقت جميعها على محاربة الشيوعية وعلى تأمين المصالح النفطية وغيرها .

وهكذا لم يحصل العرب في كل أقطارهم على حرية التعبير ولا على الديمقراطية وشكل هذا مخزونا من الغضب لا يعرف أحد كيف ينفجر ولا متى .. ولكنه سينفجر ..

5-المصارف الأمريكية والأوربية حصلت على المال من إيداعات الحكام العرب وإيداعات الدول من ثمن النفط وشغلت هذه الموارد لتنمية بلادها في وقت لم يصرف منها على الشعوب في المنطقة شيء يذكر.

وهكذا استقر الوضع كما يلي .. شركات نفطية عملاقة تنهب الثروة الوطنية بأسعار زهيدة وأنظمة  ملكية وديكتاتورية  تقمع  الشعوب وحكام فاسدون ينهبون شعوبهم ويودعون المال المسروق في مصارف الغرب بدون فائدة لأن الله حرم الربا ..!؟

أما الشعب فكان غارقاً في الجهل وتسيطر عليه أنظمة القمع وتخدره الأفكار الدينية المتخلفة التي تدعو إلى الطاعة والصبر وتبحث عن الحلول للمستقبل عبر العودة إلى الماضي متجاهلة تطور العصر ودور العقل ....

السؤال الآن كيف تصرف الأمريكيون في المنطقة وما هو الصواب في سياستهم وما هو الخطأ الذي ارتكبوه ثم كيف نحقق التوازن العادل في العلاقات بحيث لا تقفز على المصالح ولا على حقوق الشعوب ونؤسس لوضع جيد يكفّ من خلاله الأمريكيون عن التدخل في المنطقة مساندين لأجهزة القمع والديكتاتورية ولكي يفكر الأمريكيون بما هو أبعد من النفط لكي لا تكرههم شعوب العالم العربي .

إن الانهيار الحالي للعلاقات بين الطرفين لا يعود إلى الشعوب بل إلى السياسات الخاطئة للحكومات لذلك فإن استعراض تطور العلاقات يضعنا على الطريق الصحيح لفهم الأسباب وتدارك الأخطاء ولوقف الإرهاب الذي يمكن القول أن الأخطاء في السياسة الأمريكية هي التي صنعته أكثر مما صنعه الإرهابيون  أنفسهم .

دمشق       5/12/2010

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى

 

لم تكن الولايات المتحدة طرفاً في الحرب التي شنتها أوروبا على الدولة العثمانية ولا هي حصلت على حصة من عملية الاقتسام لأجزاء من هذه الدولة .

من نتائج هذه الحرب :

1 ـ منح الاستقلال الكامل لجميع الأجزاء المحتلة في أوروبا كاليونان ويوغسلافيا  وألبانيا ورومانيا وبلغاريا وغيرها.

2ـ استعمار جميع الدول العربية فكانت حصة فرنسا المغرب والجزائر وتونس وسورية ولبنان وحصة  الانكليز مصر والسودان وفلسطين والأردن و العراق ومشيخات الخليج والجنوب العربي وعدن ... وكانت ليبيا من حصة الإيطاليين .

كانت بريطانيا هي الرابح الأكبر من عملية إسقاط الدولة العثمانية وعملياً وضعت يدها على منابع النفط في العراق والكويت وحصلت على امتيازات التنقيب والاستثمار في كل دول خليج إلى درجة أن المعاهدات التي وقعها مشايخ الخليج مع بريطانيا والتي اعترفوا لها فيها بالسيادة على بلدانهم تضمنت نصا يحدد مدة المعاهدة وهو { حتى يشيب الغراب ويفنى التراب }!!

كان نفط العراق والخليج هو الهدف الأهم ولذلك نكث البريطانيون بوعدهم للشريف حسين الذي أعلن الثورة العربية على العثمانين وهو تنصيبه ملكاً على بلدان المشرق العربي واكتفوا من الوعد بأن عينوا ولديه فيصل ملكاً على العراق وعبد الله أميراً على الأردن وتحت الوصاية البريطانية طبعاً.

كان استثمار النفط العربي يحتاج لأموال ضخمة  لم تتوفر للشركات البريطانية الأمر الذي جعلها تستعين برأس المال الأمريكي الذي دخل المنطقة عن طريقهم كشريك اقتصادي فقط وهذا واضح من ملكيات شركات النفط الكبرى .

الأمريكيون شعروا بأهمية الأرباح من عملية استثمار النفط كأكبر عملية رابحة في تاريخ الجنس البشري فأقاموا الصلات مع آل سعود للسيطرة الكاملة على كل أجزاء الجزيرة العربية وكان هدفهم نفط الساحل الشرقي فحصلوا على امتيازات نفطية لشركة أرامكو الأمريكية وعلى امتيازات النقل لبترول السعودية إلى المتوسط لشركة التابلين الأمريكية أيضاً .

في تلك المرحلة لم تكن العلاقات العربية الأميركية تستهدف الأرض ولا احتلالها بل الهدف هو استثمار النفط في شركة يكون فيها الأمريكيون هم الرابح الأكبر .

لذلك كان الناس وكان الحكام في غير صدام مع الأمريكيين وكان يرحب بهم لأنهم لم يتصرفوا كمستعمرين بل كشركاء في عملية اقتصادية وجدتها الدول الفقيرة العربية مفيدة لها من كل الوجوه مهما كانت النسبة التي حصلوا عليها متدنية.

 في السعودية دعم الأمريكيون آل سعود الذين عقدوا تحالفاً مع المذهب الوهابي المتشدد وعبر التأييد الأمريكي استطاعوا في زمن قياسي السيطرة على جزيرة العرب وما يزال هذا التحالف قائماً حتى الآن وربما هو الشيء الوحيد في سياستهم الذي لم يتغير بعد ولكنه في المستقبل لابد سيتغير لأن الوهابية هي أكبر مشجع للتطرف والتعصب ومع التطور الحضاري ستسقط الوهابية و حلفاؤها إن لم يفكوا تحالفهم معها ..

من ناحية ثانية فإن السياسة الأمريكية دعت عبر الأمم المتحدة إلى إنهاء الاستعمار في العالم الأمر الذي حولها إلى مركز إشعاع للحرية في كل أنحاء العالم الخاضع للاستعمار وكانت سمعتها في المنطقة العربية جيدة .

السياسة الأمريكية دخلت المنطقة شريكاً اقتصاديا وساندت حركات التحرير من الاستعماريين الفرنسي والبريطاني وربما للحلول مكانهما في النفوذ .

 العرب كانوا يفضلون التجارة وإعطاء الامتيازات للأميركيين أو لشركات لهم فيها حصص كبيرة مادام أن استعمار الأرض ليس في وارد السياسة الأمريكية وفي الخيار بين الاستعمار العسكري والاستعمار الاقتصادي كان الحكام العرب يفضلون الثاني وكلاهما أحلاهما مر كما يقول المثل .....!

ولكن مع ذلك لم يكن الخيار ممكناً لأن سيطرة الأوربيين على المنطقة وحكامها هو الأمر الذي أسس لصراع الأميركيين مع الاستعمارين الفرنسي والبريطاني في بلاد العرب .

 

 

 

العلاقات العربية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية

 

بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الصراع بين العالم الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا  وبين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي وبدأت الحرب الباردة بينهما .

كان هذا هو الشكل للصراع ولكن الواقع أفرز خلافات بين الفرنسيين والبريطانيين الذين حاولوا إنهاء الوجود الفرنسي في سوريا ولبنان والحلول مكانه بحيث يكون الشرق تحت أمرتهم من الهند إلى إيران إلى العراق إلى سوريا ولبنان وحاول البريطانيون طرد النفوذ الفرنسي وشجعوا الثورات عليه عبر نفوذهم في العراق الذي يطالب بعرش لولى العهد العراقي في سورية تحت النفوذ البريطاني وعبر الأردن الذي يطالب الأمير عبد الله بسورية الكبرى تحت النفوذ البريطاني .

 الثورة السورية لم تكن في وارد الخلاص من الاستعمار الفرنسي لتقع تحت النفوذ البريطاني ولو بتغطية وحدوية هاشمية !

في تلك الفترة ومع نهاية الحرب العالمية الثانية كانت السياسة الأمريكية مع إنهاء الاستعمار في كل العالم وساندت عبر الأمم المتحدة عملية استقلال سورية ولبنان وتحولهما إلى جمهوريتين مستقلتين تماماً عن النفوذ الأجنبي الأمر الذي حولهما إلى مركز إشعاع حر وديمقراطي في المنطقة العربية كلها وجعل السياسة الأمريكية والعلاقات مع الولايات المتحدة لا تشوبها تهمة الاستعمار وكانت فترة إيجابية من كل الوجوه .

كانت تلك الفترة قصيرة جداً وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة ولكن مع الوقت ومع الصراع مع السوفيات بدأت السياسة الأمريكية تتدخل في المنطقة وفي صناعة حكامها وفي الاستفادة من نفطها والتجارة معها وبدأ الافتراق بين الرسالة الأمريكية لتحرير الشعوب وبين المصالح النفطية بالدرجة الأولى التي أوقفت حركة المبادئ الأمريكية في الحرية لصالح شركات النفط وفي هذا المرحلة دخل الأمريكييون المنطقة منافسين النفوذ الفرنسي والبريطاني .

 

 

السياسة الأمريكية وقرار تقسيم فلسطين

 

الأمريكيون أيدوا وعد بلفور الذي أعطي من بريطانيا للمنظمة الصهيونية لإقامة وطن لليهود في فلسطين وفي التحليل فإن اعتراف الأمريكيين بإسرائيل كان وليد الهجرة الكبيرة ليهود أوروبا إلى الولايات المتحدة للخلاص من وحشية الدول الأوربية ضدهم بدءاً من إسبانيا إلى فرنسا إلى إيطاليا إلى بريطانيا إلى ألمانيا النازية .

التأثير اليهودي على الإدارة الأمريكية كان واضحاً لأن اليهود الذين هاجروا إليها نقلوا أموالهم وعملوا في المصارف والإعلام وشكلوا مجموعات ضغط كبيرة للحصول على وطن لهم بعد المذابح الوحشية ضدهم الأمر الذي شجع الكثير من الساسة في الولايات المتحدة على دعمهم كعمل إنساني وكتعويض لهم عن المذابح .

كانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم اعترفت بإسرائيل بعد ساعة واحدة من انتهاء الانتداب البريطاني عليها وبدأت بذلك رحلة من التعاون والمساندة المالية والعسكرية لهذه الدولة انتهاء إلى درجة يمكن القول أن بريطانيا هي وراء صنع إسرائيل في حين أن الولايات المتحدة هي التي غذتها بالمال والسلاح والهجرة والتأييد الدولي لها في مجلس الأمن حيث استعملت حق الفيتو عشرات المرات لصالح إسرائيل ووقفت بجانب توسعها وعدوانها فتحولت الولايات المتحدة إلى عدو لم يحتل الأرض العربية بل ساند إقامة مخفر أمامي صهيوني للعدوان على العرب واحتلال أرضهم فبدت الولايات المتحدة دولة استعمارية من الباب اليهودي .

عند هذه السياسة حدث اختراق للحالة الجيدة السابقة للسياسة الأمريكية في المنطقة ومع أن دول النفط كالسعودية مثلا متحالفة مع الأمريكيين فإن ملوكها شعروا بالمرارة لعدم تمكنهم من تحييد الأمريكيين في الصراع العربي الإسرائيلي وكذلك فعلت كل الدول العربية التي لا تريد نزاعاً مع الأمريكيين وتبدي استعدادها لتأمين كل مصالح شركاتهم مقابل التخلي عن المشروع الإسرائيلي وهو الأمر الذي رفضته الولايات المتحدة وأصرت على حق إسرائيل في الوجود ودعت العرب إلى الاعتراف بها وكان هذا فوق طاقة أي حاكم عربي .

لم يستعمل العرب سلاح النفط في الصراع العربي الإسرائيلي ولو أنهم فعلوا ذلك لحصلوا على سياسة أمريكية وأوربية مختلفة في الموضوع الفلسطيني تحديداً.

 كانت الشعوب تطالب باستعمال سلاح النفط في حين كانت الدول العربية لا تريد ذلك وتعتبر استثمارات النفط عملاً اقتصادياً يجب عدم استخدامه للضغط على السياسة الأمريكية تحديداً وربما لأنها أعجز من أن تفعل ذلك وتخاف الإطاحة بحكوماتها التي عقدت مع الأمريكيين والأوربيين حلفاً جعلهم حراساً لشركات النفط أكثر مما هم دول مستقلة.

دور الولايات المتحدة في دعم إسرائيل أساء كثيراً لمصالحها في المنطقة وخسرت بالتأكيد محبة الشعب العربي الذي كان ينظر إليها كمركز إشعاع لحرية الشعوب ...

لذلك كان صحيحاً ما ذهبت إليه المعاهد الأمريكية التي تضع السياسة الإستراتيجية مؤخراً من أن الاستعصاء في حل النزاع العربي الإسرائيلي شكل أحد أهم الأسباب التي دعت إلى تصاعد التيارات الدينية في الشرق الأوسط والمعادية للولايات المتحدة .

إن مصالح الولايات المتحدة مع العرب كبيرة جداً كأسواق وكنفط وغاز وعائدات مودعة في المصارف الأمريكية ومن غير المعقول دعم التوسع الإسرائيلي وتشريد اللاجئين وبقاء هذه المصالح مستقرة بل على العكس يعرضها للانفجار وينشر الحقد وفي المحصلة العقلانية لا بد من إعادة التوازن بين العطف على إسرائيل والمصالح الأمريكية بحيث تكون الولايات المتحدة أقرب إلى عدالة لا تلغي حق إسرائيل في الوجود ولا تحرم الفلسطينيين من دولة وكذلك وقف سياسة التوسع التوراتي في المنطقة لأن إقامة دولة دينية إسرائيلية يخلق المبررات لقيام دول دينية إسلامية وهو ما يؤسس لتصادم الحضارات ليس في المنطقة العربية بل على امتداد العالم ..

إن الضغط الأمريكي يجب أن ينصب على إقناع المتطرفين الإسرائيليين بأن المشروع القومي للحركة الصهيونية الذي يطمح إلى إقامة دولة توراتية من النيل إلى الفرات وتهجير يهود العالم كله إليها هو مشروع فاشل ويجب الاقتناع بالكيان الحالي وتأمين الاعتراف العربي به ووقف توسعه و الهجرة والاستيطان في المناطق الفلسطينية لئلا تستمر الحرب بين العرب والإسرائيليين ألف عام!.

 

 

 

 

فلسطين بين الموقف الأمريكي والموقف السوفياتي

 

مع الخلاف بين العالمين الرأسمالي والاشتراكي فإن المدهش أنهما اتفقا في موضوع تقسيم فلسطين بين العرب واليهود وقد صوت المندوب السوفياتي إلى جانب الأمريكي والأوروبي بالموافقة على تقسيم فلسطين .

فلماذا اتفق الكبيران مع أنهما كانا يتفقان على أن لا يتفقا ؟

في التحليل السياسي لتلك المرحلة فإن الموقف السوفياتي كان محمولاً على هدفين هما:

الهدف الأول هو:

في الداخل السوفيتي وداخل الحزب الشيوعي كان هناك صراع بين ستالين والشيوعيين اليهود الذين تعاظم تأثيرهم داخل الحزب إلى درجة أن 11 من 15 من أعضاء قيادة لينين كانوا من اليهود وكانت زوجة لينين مسؤولة عن جريدة الحزب {الشارة} أو البرافدا وهي يهودية أيضاً.

 ستالين أراد تحجيم دورهم ودخل في صراع معهم امتد إلى اليهود السوفيات كلهم الذين ناصبوه العداء في حين أيده في خطوته هذه الروس الذين يكرهون اليهود إلى درجة أن القيصر الروسي سابقاً رفض إيواءهم بعد مجازر أوروبا ضدهم وقال : أخاف عليهم من حقد الشعب الروسي لذلك فإن مشروع ترحيل يهود العالم إلى دولة لهم في فلسطين لاقت قبولاً من ستالين لأسباب داخلية وبغض النظر عن الموقف الأمريكي منهم .

هذا المشروع لترحيل اليهود السوفيات إلى فلسطين يخلص الاتحاد السوفيتي منهم ومن دورهم الفاعل لذلك تجاوز الحزب الشيوعي السوفياتي الموضوع الإنساني في تهجير الفلسطينيين من ديارهم وموضوع إقامة دولة دينية خلافاً للمبادئ الشيوعية لأن المصالح الداخلية للصراع داخل المؤسسة الحاكمة اقتضى ذلك..

الهدف الثاني كان هو التالي  :

منطقة الشرق الأوسط منطقة خاضعة للنفوذ الرأسمالي ـ الأميركي والأوربي والمصالح فيها مستقرة لذلك فإن تصدير مشكلة إلى هذه المنطقة سيكون مصدر تحريك لحالة الطاعة هذه ويستفز شعباً خاملاً سيربك السياسة الرأسمالية ومصالحها أو يجعلها تبدو حليفة لاستعمار استيطاني جديد يذكر المنطقة بالحروب الإفرنجية على الشرق ومثل هذه المشاعر ستصطدم لا محالة بالرأسماليين ومصالحهم بحيث يسمح هذا الصدام بدخول الشيوعية إلى المنطقة ودخول السوفيات إليها أيضاً كحلفاء للمظلومين وللدول العربية التي تريد الخروج من بيت الطاعة الرأسمالي وعملياً تحقق للسوفيت بعض أهداف سياستهم الخارجية في المنطقة.

 ومع توسع إسرائيل ذهبت مصر وسورية إلى السوفيات طالبة السلاح فأعطي لها وطلب أبناء مصر بناء السد العالي فقام السوفيات بذلك وقاموا ببناء سد الفرات في سورية وعدداً من المشاريع وعلى الصعيد الشعبي تحسنت سمعت السوفيات في المنطقة على حساب تراجع التأييد الشعبي للسياسة الأمريكية والأوربية في دعم العدوان والتوسع.

دخل السوفيات منطقة الشرق الأوسط من باب الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والعربي وصار هناك أحزاب شيوعية في السودان ولبنان وفلسطين والأردن وسورية والعراق وكانت في السابق كفرا كبيرا محرماً.

تحسنت العلاقات الدولية بين الاتحاد السوفياتي والعرب ودول عربية كثيرة كانت ترفض إقامة علاقات دبلوماسية مع السوفيات عادت وأقامتها ودول أخرى صارت أقرب إلى التعاون مع السوفيات وكانوا يبررون ذلك أمام شعوبهم بالحاجة إلى السلاح لمقاومة الصهاينة وتمسكوا باستقلالية واضحة إلى درجة أن جمال عبد الناصر اصطنع مع نهرو في الهند وتيتو في يوغوسلافيا ما يسمى بالحياد الإيجابي كي يكون شعاراً للسياسة الاستقلالية التي لا تعادي أي من  المعسكرين وليست في جيب أي منهما.

المهم أن السوفيات ربحوا من إقامة إسرائيل لأنهم حركوا منطقة خاملة موالية للغرب ومن ثم استخدموا حاجتها للسلاح للدخول إلى الشرق الأوسط.

وكما شهدنا فإن السوفيات الذين أيدوا قرار التقسيم عادوا فوقفوا بحزم ضد توسع إسرائيل وصوتوا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن مع الحقوق العربية في محاولة لإعطاء الانطباع بأن موقفهم السابق من التقسيم كان غير صحيح ولكن لم يسحبوا اعترافهم الدولي بوجود إسرائيل .

أما الأمريكيون فقد خسروا كثيرا لأن الشعوب التي تأملت بهم خيرا فقدت الثقة بهم .

 

 

العلاقات العربية ـ الأمريكية أثناء الحرب الباردة

 

بعد الحرب العالمية الثانية بدأت رحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي وامتدت من عام 1945 حتى سقوط الاتحاد السوفيتي عام  1991 .

كان الهم الأمريكي  والأوربي أيضاً في تلك المرحلة هو منع امتداد النفوذ السوفياتي إلى المنطقة العربية حيث استثمارات النفط الذي يغذي أوروبا واليابان وتعتمد عليه الحضارة في العالم الرأسمالي .

اعتقد الأمريكيون الذين يقودون العالم الرأسمالي أن مساهمتهم في تحرير البلاد العربية من الاستعمار سيعطيهم نفوذاً ومركزاً اقتصادياً ويخلق تحالفاً مع العالم الرأسمالي ويمنع امتداد النفوذ الشيوعي. لذلك كانت الولايات المتحدة تساند في الأمم المتحدة عملية إزالة الاستعمار في العالم وأيدت استقلال سورية ولبنان ثم استقلال العراق ومصر والسودان والمغرب وتونس وليبيا والإمارات وقطر والبحرين والكويت.

وقد حققت لهم هذه السياسة نفوذاً اقتصادياً كبيراً على حساب البريطانيين والفرنسيين وعمليا حلت محلهم في الجانب الاقتصادي والسياسي معاً .

لم يكن يهم الأمريكان أنظمة الحكم ولا نوع السيادة عليها لأن همهم ينصب على تأمين المصالح النفطية خاصة وعلى منع النفوذ الشيوعي.

1-أول مرة تدخّل فيها الأمريكان مباشرة كان في انقلاب حسني الزعيم في سورية في 30/3/1949 وكان السبب هو تعثر توقيع اتفاقية التابلين لمرور نفط شركة أرامكو الأمريكية من السعودية إلى ميناء الزهراني في لبنان عبر سورية.

المخابرات الأمريكية ساندت العسكريين للإطاحة بنظام الحكم الجمهوري البرلماني وجاءت بحسني الزعيم الذي وقع للأمريكيين خلال 143 يوماً  من حكمه اتفاقية التابلين وأعاد إلى إسرائيل مستعمرة مشمار هايردن التي احتلها السوريون في حرب 1948  ووقع مع إسرائيل اتفاقية الهدنة وحين أطاح به انقلاب مدعوم من العراق وبريطانيا هدفه إقامة ملكية هاشمية بريطانية على سورية لولى العهد الأمير عبد الإله وجدنا الأمريكيين عبر السعوديين يؤيدون انقلاباً آخر لأديب الشيشكلي بحجة الدفاع عن النظام الجمهوري لإبعاد سورية عن النفوذ البريطاني .

2-حين أطاح مصطفى حمدون بالشيشكلي وسلم السلطة للمدنيين واستعاد الشعب نظامه الجمهوري وأحزابه وديمقراطيته وجدنا الأمريكيين لا يساندون النظام الجديد لأن الحرية فيه أتاحت للأحزاب الاشتراكية وللشيوعيين ولأول مرة في العالم العربي حق الحضور السياسي من خلال صناديق الاقتراع فخشي الأمريكيون من تحول سورية إلى النفوذ الشيوعي.

3-كانت الولايات المتحدة تخشى سقوط الملكية في مصر بيد { الأخوان المسلمين } لذلك بدأت البحث عن بديل وكونت لجنة خماسية لإدارة عملية إيجاد البديل .

هذه اللجنة مكونة من { ستفين ليد } السفير الأمريكي في سورية الذي انتقل إلى القاهرة وجيفرسون كافري سفير أميركا في القاهرة ووليم يتجلان وكيم روزفلت حفيد روزفلت والخامس الهام هو من المخابرات الأمريكية {مايلز كوبلاند } .

وهذا الخامس الهام هو صاحب كتاب لعبة الأمم  الشهير.

 كان محمد حسنين هيكل هو الوسيط الأول بين اللجنة الخماسية الأمريكية وزمرة الضباط الأحرار وكان مصطفى أمين وسيطاً مساعداً لهيكل والاجتماعات تتم مع السفير الأمريكي مباشرة.

 بعد الاتفاق مع الأمريكيين طلب عبد الناصر من خالد محي الدين الذي يتولى إصدار النشرات السرية باسم الضباط الأحرار أن لا يذكر عبارة الاستعمار الأنجلو أميركي وأن يكتفي بعبارة الاستعمار البريطاني.

عرض كيم روزفلت على عبد الناصر مساعدة أميركا للضباط الأحرار واشترط عليه استبعاد الأخوان المسلمين والشيوعيين كان الأمر محرجاً لعبد الناصر لأنه كان قد التحق بواسطة عبد المنعم عبد الرؤوف بالتنظيم العسكري للإخوان .

كان عبدالناصر قد أنجز اتفاقات مع عدة منظمات وجماعات من الأخوان المسلمين الذين تلقوا من عبد الناصر أسلحة للجهاد ضد الإنكليز في قناة السويس قبل الانقلاب .....

4-بعد حريق القاهرة انتشرت الفوضى فاستفاد عبد الناصر ورفاقه من الوضع وقاموا بانقلابهم واستولوا على السلطة اجتمع عبد الناصر وكمال الدين حسين بمنير الدلة أحد أعضاء مكتب الإرشاد الأخواني واقسم هو وكمال الدين حسين على المصحف بأن الضباط سيحكمون بالقرآن والسنة وبعد هذا الاتفاق دفع الإخوان مباشرة بعشرة آلاف مسلح لحماية الثورة في اليوم التالي....

عبد المنعم عبد الرؤوف هو الذي أبلغ الملك فاروق بالانقلاب وأرغمه على التنازل وأمن تسفيره من الإسكندرية. الملك فاروق بمذكراته كتب بأن  {الأخوان المسلمين} هم الذين قلبوا حكمه  وأن رجال الثورة كانوا ألعوبة بيدهم .

عبد الناصر اتفق مع الأخوان من جهة ومن جهة أخرى مع السفير الأمريكي الذي حدد شروط الولايات المتحدة للاعتراف والدعم بما يلي:

1 ـ ضرب الحركات الإسلامية .

2ـ عدم المساس بأمن إسرائيل .

3 ـ إنهاء تأثير الأزهر .

محمد نجيب أكبر رتبة عسكرية في الجيش أعد ليكون كواجهة وهو الذي كتب في مجلة المصور فيما بعد أن بعض الضباط الأحرار كانوا على صلة بالسفير الأمريكي منذ آذار 1952 م.

وهكذا حضر السفير الأمريكي أول اجتماع لمجلس الثورة في فندق انتركونتننتال بالقاهرة.

فور نجاح الانقلاب بدأ الخلاف مع الأخوان المسلمين بشأن إعلان الحكم الإسلامي ورفض الأخوان الاشتراك في الحكم مالم يتم إعلان الحكم بالإسلام .

كان الضابط الأميركي مايلز كوبلاند يدخل بيت عبد الناصر دون استئذان وهو الذي قدم لعبد الناصر سيارة مصفحة ضد الرصاص ومجموعة من المخابرات الأمريكية لبناء المخابرات المصرية ومبلغ 3 ملايين دولار سلمت لحسن التهامي رئيس حرس عبدالناصر واشترى بها بعض رجال الثورة.

الأمريكيون ساندوا عبد الناصر للخلاص من النفوذ البريطاني في مصر والحلول مكانه أو على الأقل تحقيق مركز أفضل لهم في شمال إفريقيا وكان شرطهم على عبد الناصر إبعاد الأخوان المسلمين والشيوعيين عن الحكم .

عمليا أدت الثورة المصرية العسكرية إلى فصل السودان عن مصر وكان الملك فاروق ملكاً شرعياً معترف به ملكاً على مصر والسودان وكما طارت مشمار هايردن في انقلاب حسني الزعيم وسهل الحولة في انقلاب الشيشكلي طارت وحدة مصر والسودان في الانقلاب العسكري المصري .....!؟

5-الأمريكيون ساندوا عبد ­­­­­­­­­­الناصر حين أمم شركة قناة السويس ووقفوا ضد العدوان الثلاثي الفرنسي ـ البريطاني ـ الإسرائيلي وساهموا بحزم على ترحيل المعتدين فنشأت علاقات جيدة بين الأمريكيين وعبد الناصر. ­­­­­­­

كان الأمريكيون يعتقدون أن مساندة العسكرين الذين يعادون النفوذ البريطاني ويكرهون الشيوعية أفضل لهم لذلك كان تأييد الأمريكيين للثورة المصرية واضحاً وكانت العلاقات الأمريكية المصرية في أحسن أحوالها وتحسنت أكثر بعد العدوان البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي على مصر إثر تأميم قناة السويس عام 1956 حين وقف الأمريكيون بحزم ضد هذا العدوان حتى انسحاب المعتدين .

هذا الوضع الجيد للعلاقات كانت تشوبه حالة سوء فهم أمريكي للقضية الفلسطينية فقد ساندوا إسرائيل وأمدوها بالمعونات والسلاح وضغطوا على العرب للاعتراف بها وتجاهلوا الأوضاع الداخلية  العربية التي ارتبط فيها الموضوع الفلسطيني بالوضع العربي وبمركز الحكام العرب.

لم يكن الأمريكيون قادرين على وقف التوسع الصهيوني ولا على إجبار إسرائيل لإعادة اللاجئين ولا على تطبيق قرار التقسيم الدولي لأسباب داخلية أمريكية وانتخابية حيث النفوذ اليهودي كان كبيراً في المصارف والإعلام وحتى في حزبي الساحة الأمريكية ـ الجمهوري والديمقراطي على السواء.

مع طموح مصر لقيادة العالم العربي اصطدم عبد الناصر بالأمريكيين من الباب الفلسطيني وساءت العلاقات إلى درجة أن الأمريكيين ربطوا بين تمويل بناء السد العالي والاعتراف بإسرائيل وهو الأمر الذي رفضه عبد الناصر وأدى بعد ذلك إلى التحول الخطير إلى السوفيات الذين قاموا ببناء السد ومولوا مصر لإنجازه ومن ثم أمدوا مصر وسورية بالسلاح فدقت الولايات المتحدة ناقوس الخطر .. !

لقد أيدت الولايات المتحدة الثورة المصرية لمعرفتها بأن قادتها يعادون الشيوعية وهذا ما يهمهم فعلاً وحين مدوا الخطوط باتجاه السوفيات كان ذك بداية الافتراق ...

 

 

 

الدور الإسرائيلي في المنطقة

 

في بداية قيام دولة إسرائيل كان الدور الإسرائيلي محدوداً بالتجسس على الإتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي عن طريق اليهود  فيهما حيث كانوا المصدر الوحيد للمعلومات عن دول ما وراء الستار الحديدي كما كان يسمى سابقاً .

كان العالم العربي كله منطقة حليفة للرأسمالية والغرب ولم يكن النفوذ السوفياتي موجوداً ولا كان يشكل خطراً عاجلاً وتولت الحركات الإسلامية دوراً كبيراً في تحريم الشيوعية باعتبارها كفراً وكانت هذه الحركات على علاقة جيدة مع الغرب من باب العداء للشيوعية.

­بعد العدوان الثلاثي على مصرعام1956 ومن ثم رفض الأمريكيين تمويل بناء السد العالي ودخول السوفيات عن طريق بناء السد وعن طريق بيع السلاح لمصر وسورية صار لإسرائيل دور آخر في المنطقة هو ردع الدول المتحالفة مع السوفيات أو المتعاونة معهم وحماية الأنظمة العربية الموالية للأمريكيين من خطر الطموح المصري لإقامة الوحدة العربية.

 دور تجسسي داخل المعسكر السوفيتي ودور ردعي ضد الدول المستقلة والتي تتعاون مع السوفيات كان هذا هو الأهم في علاقة الغرب مع إسرائيل وخاصة الولايات المتحدة التي دعمت إسرائيل بالسلاح الهجومي والطيران والتدريب وبالأموال لاستقدام المهاجرين وإسكانهم في فلسطين .

تحولت إسرائيل من دولة كان الهدف الدولي من إقامتها هو الحصول على ملجأ لليهود المشردين والمضطهدين من المسيحية الأوربية إلى مخفر أمامي للاستعمار في المنطقة وحصلت بسبب هذا الدور على أموال وأسلحة وتأييد دولي  لم تحصل عليه أي دولة في التاريخ .

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 فقد الإسرائيليون الدورين معاً فالعرب كلهم صاروا في بيت الطاعة الأمريكي ولم يعد الغرب بحاجة للتجسس عبر اليهود لأن المعسكر الاشتراكي صار في تناول معلوماتهم لذلك وجدنا المعاهد اليهودية تبحث عن إعادة لدور إسرائيل ووجدت ذلك في تشجيع التطرف الديني الإسلامي .

بدأ التشجيع في البيت الفلسطيني حيث كان نتنياهو في أول وزارة له وراء تشجيع حركة حماس الإسلامية ضد عرفات ومنظمة التحرير وأعطاها مجالاً واسعاً للتحرك على قاعدة أن النزاع العربي الإسرائيلي هو صراع بين اليهودية والإسلام وليس الصراع على تقرير المصير للشعب الفلسطيني كما كانت منظمة التحرير تقول .

مع قيام جماعة القاعدة في أفغانستان  بضرب الولايات المتحدة في 11/9/2001 عبر عملية دقيقة { ربما شاركت المخابرات الإسرائيلية في إعدادها أو التسهيل لها } عاد إلى إسرائيل دورها كعدو للإرهاب الإسلامي وبدا الأمر للكثيرين من المحللين السياسيين أن استبدال البعبع الشيوعي بالبعبع الإسلامي كان عملية غير بعيدة عن الذكاء اليهودي في الولايات المتحدة .

عاد لإسرائيل دورها في المنطقة وصارت حليفاً ضرورياً للعالم في الغرب لوقف ما سمي بالإرهاب الإسلامي .

هذا الوضع جعل الولايات المتحدة عاجزة عن تحقيق إرادتها ومصالحها في إقامة دولة فلسطينية وإقرار السلام في المنطقة لأن من معاني ذلك هو وقف الدور الإسرائيلي مجدداً ووقف الإمدادات الهائلة لها وهو مالاً يريده الصهاينة حتى ولو اصطدم بالمصالح القومية للأمريكيين.

وكما رأينا فإن المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل توقفت رغم الضغط الأمريكي لأن المتطرفين اليهود ليسوا في وارد التخلي عن أحلامهم التوراتية ...... والولايات المتحدة عاجزة عن تحقيق إستراتيجيتها في مقاومة الإرهاب العالمي.

 

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة والصعود القومي العربي

 

مما لاشك فيه أن التحالف بين قيادة عبد الناصر في مصر وقيادة البعث العربي الاشتراكي في سورية وتحت شعار القومية العربية أدى إلى صعود للفكر القومي العربي في المنطقة العربية كلها .

هذا الصعود كان مقلقاً للولايات المتحدة وحاولت عن طريق حلف بغداد وعن طريق وحدة الأردن والعراق أن توقف هذا الصعود ولكنها فشلت .

ورغم ذلك وحين ذهب الحليفان إلى إقامة الوحدة بين مصر وسورية تعاملت الولايات المتحدة مع الحدث بحذر وبواقعية وبحثت عن إيجابيته و سلبياته فكان حصيلة ذلك ما يلي:

1ـ الوحدة أدت إلى منع سورية من التحول إلى أول دولة شيوعية في الشرق الأوسط .

2 ـ إن الوحدة لن تسمح بالنشاط الشيوعي وهذا أمر إيجابي أيضاً .

3ـ إن الوحدة الجديدة ستلتزم بالحياد الإيجابي ولن تسمح للسوفيات بأي نفوذ يتجاوز علاقات التعاون.

4ـ إن قيادة عبد الناصر ستلغي الحياة الديمقراطية في سورية وتلغي النظام البرلماني الجمهوري وتطبق الأحكام العرفية وستطهر الجيش من الشيوعين أولاً ثم من الأحزاب اليسارية ثانياً وبالتالي فإن الدور السوري الشعبي السابق سيكون تحت السيطرة .

بعد قيام الوحدة والاعتراف الدولي بها كانت السياسة الأمريكية تعمل على تفكيك التحالف بين عبد الناصر وقيادة البعث ونشر الشكوك الأمر الذي لقي قبولاً من عبد الناصر الذي لا يريد مشاركة أحد في الحكم وفي القرار أصلاً .

ولأن حركة الصعود القومي كانت محمولة على الرغبة في إقامة دولة قوية تستطيع أن تحسم المعركة مع الغزو الإسرائيلي فإن الأمريكيين وقفوا ضد هذا التوجه وأمدوا إسرائيل بالسلاح الهجومي والمعونات بلا حد في محاولة لإفهام العرب أن وجود إسرائيل نهائي.

 قيام الجمهورية العربية في 22/2/1958 أدى إلى صعود وحدوي مباشر في العراق حيث قاد عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ثورة 14 تموز 1958 وأسقطوا الملكية الهاشمية وسحلوا أفراد العائلة المالكة في الشوارع .

هذا الانقلاب العراقي صار هماً أمريكياً لأن الصعود القومي واليساري وقع في منطقة النفط الأكثر حيوية للعالم وكان العراق مكوناً من عرب وأكراد وكان العرب موزعين بين المذهب السني والمذهب الشيعي ...... ومن بقايا الشعوب القديمة كالأشوريين .

كانت السياسة الأمريكية في العراق تسعى إلى فك التحالف بين قائدي الثورة عارف وعبد الكريم قاسم .

كان عبد السلام عارف قومياً عربياً ومدعوماً من الجمهورية العربية المتحدة وكان عبد الكريم قاسم مدعوماً من أكراد العراق ومن الشيوعين ولا يريد وحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ويفضل بقاء العراق مستقلاً ووطنياً وخالياً من النفوذ الأجنبي.

كان الصدام بين القائدين يعكس الصراع الداخلي حول الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة وكان هذا مريحاً  للسياسة الأمريكية التي شجعت على  تفاقمه بحجة أن وحدة سورية والعراق من ممنوعات المنطقة.

 استعان عبد الكريم قاسم بالشيوعيين للوقوف بوجه المد الوحدوي العربي واستعان بالأكراد الذين سمحوا للنفوذ الشيوعي باكتساح مناطقهم .

قاد الضباط القوميون العرب وبالتعاون مع المخابرات السورية انقلاباً في الموصل فشل تماماً وتم إحباطه وشنق المئات من الضباط القومين وسحل البعثيون والقوميون العرب في الشوارع وتم اعتقال الكثيرين .....

وعملياً وجد الأمريكيون أن السوفيات عبر عبد الكريم قاسم والشيوعيين قد دخلوا منطقة النفط ومع كل التطمينات الرسمية العراقية فإن الصدام بين شركة نفط العراق وعبد الكريم قاسم قد حدث فقام عبد الكريم قاسم بإلغاء امتياز التنقيب والاستثمار المعطى لشركة نفط العراق في كل الأراضي العراقية وحصر حقها في المناطق القائمة والمستثمرة وعملياً أخرج حقل الرميلة وغيره من الحقول الواعدة من حقوق الامتياز القديم فكانت هذه ضربة قوية خاصة وأنه أسس شركة نفط وطنية لاستثمار النفط وحشد فيها الشيوعين .

اعتقد الأمريكيون أن العراق سيتحول إلى أول دولة شيوعية في الشرق الأوسط وهالهم الأمر كثيراً والتقت مصالحهم مع قيادة عبد الناصر في مقاومة الحكم في العراق وإسقاطه لذلك شهدت الساحة العراقية صداماً عنيفاً بين التيار الشيوعي والتيار القومي وأدى إلى إسقاط نظام حكم عبد الكريم قاسم وسيطرة البعث العراقي على الحكم في 14 رمضان 1963الذي حقق في زمن قياسي ما يلي :

1 ـ الاعتراف بالكويت .

2 ـ إلغاء القانون 80 الذي حصر امتياز شركة النفط العراق بأماكن عملها .

3 ـ إلغاء شركة النفط الوطنية بحجة أنها مملوءة بالشيوعيين .

4ـ منع انضمام العراق إلى سورية أو مصر .

5ـ قام بأكبر مذبحة في تاريخ العراق ضد الشيوعيين .

6ـ أدار حرباً عسكرية ضد أكراد العراق فأسس لمشاريع انفصالهم عن العراق.

وهكذا حققت السياسة الأمريكية نجاحات عديدة في المنطقة ابتداءاً من إجهاض وحدة مصر وسورية وفك التحالف بين قيادة عبد الناصر والبعث ومن ثم دعم إسقاط عبد الكريم قاسم وتشجيع التيارات العراقية على الاستقلال ومنع وحدة العراق وسورية وحتى منع الوحدة الثلاثية مع مصر وفي المحصلة النهائية للصراع في الشرق الأوسط فإن النفوذ الشيوعي تراجع في العراق على يد بعث العراق وتراجع في سورية على يد عبد الناصر والبعث السوري واصطدام التيارات القومية العربية ضد بعضها كان مريحاً لهذه السياسة ومريحاً لإسرائيل بالدرجة الأولى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة وقطر والبحرين

قطر والبحرين كلاهما على مشارف الخليج وفيهما مخزون كبير من النفط والغاز.

الصراع على هذه الثروة بين الشركات العالمية ودولها انعكس على البلدين فاختلفا ثم ذهبا للتحكيم فكان النفط للبحرين والغاز لقطر وارتاحت الشركات الأمريكية والبريطانية إلى هذا الحل وحصلت على امتيازات التنقيب والاستثمار والتسويق .

 كان الأمريكيون وسطاء في هذا الحل حيث كان البريطانيون مع البحرين وعلاقة حكام البحرين مع البريطانيين ذات جذور تاريخية عميقة وعملياً حصل الأمريكيون على مركز متميز في قطر.

الآن في قطر أكبر قاعدة أمريكية عسكرية في الشرق خاصة بعد أن خفف الأمريكيون وجودهم العسكري في السعودية للحد من الاحتجاجات الإسلامية المتطرفة وهي المكلفة عسكرياً بحماية مناطق النفط وتأمين استمراره وحماية الأنظمة الموالية. وتلعب قطر الآن  دوراً كان حكراً للسعودية .

 الأمريكيون شجعوا قطر على إطلاق محطة الجزيرة الممولة من قطر رسمياً التي تولت مهمة التنديد بالأنظمة العربية وهي أول محطة إعلانية نسجت علاقات مع الإعلام الإسرائيلي .

صار للجزيرة مراسلون في كل أنحاء العالم وسيطرت عبر ذلك على الرأي العام وهو الأمر الذي عجزت عنه دول عظمى وعملياً حلت محل لبنان الذي كان يتولى عبر صحفه  وفضائياته هذه المهمة.

لقد دعمت الجزيرة قضية الحريات في المنطقة العربية وشكلت إزعاجاً للحكام العرب الذين لم يكونوا دائماً في وارد الموافقة على نقل الأخبار عن دولهم واستبدادهم .

وهكذا فإن الموارد الضخمة من الغاز القطري جعلت قطر قادرة على تحسين أحوال السكان على قلة عددهم وعلى امتلاك قوة إعلامية أعطت لقطر دوراً في المنطقة  يتجاوز حجمها ومهما قيل عن دور الجزيرة الإعلامي  فإن الهامش المتاح لها في عالم عربي ينتشر فيه الاستبداد كان أمراً إيجابياً من كل الوجوه والناس ارتاحوا لمتابعة الأخبار في العالم عبر الجزيرة بعد أن توقف دور الإعلام اللبناني نتيجة للوجود السوري في لبنان وضبط حركته.

الولايات المتحدة وسورية

 

الصراع على سورية والنفوذ فيها كان في البداية التي رافقت استقلالها عام 1946. فالعراق يريدها ملكية هاشمية للأمير عبد الإله والأردن يريد ضمها إلى مشروع الأمير عبدالله الهاشمي وهومشروع سورية الكبرى وكلا المشروعين يخفي الوصاية البريطانية.

من جهة ثانية كانت مصر وكانت السعودية وكلاهما لا يريد تصاعد الدور الهاشمي في المنطقة وتدخلوا مراراً لدعم القوى التي ترفض انضمام سورية إلى العراق أو الأردن.

1-انتقال الصراع المحلي على سورية دولياً بدأ متأخراً حين أخذ الصراع الدولي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي يتصاعد مقترباً من المنطقة العربية. من الباب السوري بدأ التدخل الأمريكي في سورية لأسباب مصلحيه أولاً حين دعموا انقلاباً عسكرياً عام 1949 بقيادة حسني الزعيم وهدفهم المباشر توقيع اتفاقية التابلاين المتعثرة والتي تؤمن مرور النفط السعودي لشركة أرامكو الأمريكية إلى ميناء الزهراني في جنوب لبنان ومن ثم إرغام سورية على توقيع اتفاقية الهدنة مع إسرائيل وإعادة مستعمرة مشمار هايردن التي احتلها السوريون في حرب 1948 إلى إسرائيل وقد حقق لهم الحكم الانقلابي ذلك في أيام معدودة لذلك حين سقط هذا الحكم في انقلاب آخر لم ينجده الأمريكيون ولم يحزنوا عليه.

2-التدخل الهام للأمريكيين في مسألة الصراع على سورية كان بسبب هامش الحريات الديمقراطية فيها والتي أتاحت لجميع الأحزاب حرية الحركة ومنها الحزب الشيوعي الذي استطاع أن يؤمن لنفسه حضوراً في البرلمان السوري ولأول مرة في المنطقة العربية التي كانت تعتبر الشيوعية كفراً....!؟

3-حين قررت سورية شراء السلاح من المعسكر الاشتراكي لإعادة التوازن العسكري مع الصهاينة الذين حصلوا على أسلحة هجومية متطورة من الولايات المتحدة بدأ ما يسمى بالصراع لمنع تحول سورية إلى أول دولة شيوعية في المنطقة وكان هذا احتمالا ً بعيداً ولكن تم استخدامه لوقف الصعود الشعبي لدور الحزب الشيوعي في سورية وخاصة في الجيش السوري.

   4-حين قرر العسكريون السوريون القيام بانقلاب الوحدة مع مصر وذهبوا إلى عبد الناصر وعرضوا عليه الوحدة كان ذلك الحدث الانقلابي محمولاً على تأييد شعبي كاسح لم تستطع الأحزاب السياسية أن تقف بوجهه ولا أن تفرض عليه بعض الشروط ولا حتى الشكل الحكومي لانتقال السلطة .

الأمريكيون لم يكونوا أبداً في وارد تأييد وحدة العرب في المدى الإستراتيجي ولكن مواجهة الانقلاب الوحدوي الذي أقام وحدة مدعومة من الشعب في سورية لن يكون تصرفا ًعاقلاً.

اتجهت السياسة الأمريكية إلى دعم وحدة العراق والأردن لاحتواء المشاعر الشعبية الوحدوية فيها للانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة .

في العمق كان الصراع مع السوفيات يدفع الولايات المتحدة إلى الاعتراف بالوحدة بدلاً من مقاومتها والتركيز على الإيجابيات المقبلة من نشوئها .

أول الإيجابيات هو منع تحول سورية إلى دولة شيوعية والثاني هو حل جميع الأحزاب السورية الديمقراطية والثالث إلغاء الحياة البرلمانية والانتخابات الديمقراطية ومن ثم تطهير الجيش من الشيوعية والاشتراكية والاصطدام بين الجمهورية العربية المتحدة والسوفيات لأول مرة .

بقي الموضوع الفلسطيني مثار خلاف مع الوحدة لأن المشاعر الشعبية المؤيدة لها كانت مدفوعة بالرغبة في توحيد العرب لتحرير فلسطين .

وحين خطب عبد الناصر في أهل غزة قائلاً أن تحرير فلسطين غير وارد في الزمن المنظور وحين رفض اتخاذ إجراءات عسكرية لمنع تحويل نهر الأردن اصطدم بالحليف البعثي في سورية وأدى الأمر إلى استقالة الوزراء البعثيين وبدء انهيار الوحدة .

لم تتحول الوحدة إلى مركز إشعاع للحرية في العالم العربي لأنها اعتمدت على نظام شمولي رئاسي ديكتاتوري ألغى الأحزاب والبرلمانات وأنشأ إتحاداً قومياً كان ديكوراً سياسياً كما أنها لم تستطع مواجهة الهجمة الإسرائيلية ولا أرادت الحرب مع إسرائيل بسبب تحويل مجرى نهر الأردن فشكل الأمران مبرراً لبدء العد التنازلي لمؤيدي الوحدة.

5-حين جاء الانفصال في 28/9/1961 لم يكن ذلك ضد فكرة الوحدة بل ضد ارتباطها بالقمع وعجزها الواضح عن تحرير فلسطين .

الأمريكيون أيدوا الانفصال لإضعاف دور مصر القيادي في المنطقة ولأن فكرة الوحدة زعزعت استقرار الدول العربية الموالية لهم وسقوط الوحدة يعطي لهذه الدول الحق بأن تدعي أن الوحدة غير عملية بدليل سقوطها السريع .

ولكن وحين استقر الانفصال وتم الاعتراف الدولي بسورية جرت انتخابات ديمقراطية  لم يحقق فيها أي حزب يميني الأكثرية منفرداً والاشتراكيون حققوا نجاحات كبيرة فلم يستطع اليمينيون إلغاء قوانين الإصلاح الزراعي كما تعهدوا لناخبيهم وتم رفع الأحكام العرفية .

هذا الوضع كان مستهدفاً من عبد الناصر وأجهزته التي شنت حرباً إعلامية على سورية بقصد إسقاط النظام وإعادة سورية إلى بيت الطاعة المصري ولأنها لا تريد بديلاً ديمقراطياً للوحدة .

 كان إلغاء دور سوريا في المنطقة أو ضبطه ضرورياً لإنجاز الاعتراف بإسرائيل ولمنع امتداد النفوذ الشيوعي إليها مجدداً ولكن الانتخابات جاءت بقوى ترفض ذلك الأمر الذي أعطى لعبد الناصر وأجهزته الضوء الأخضر للإجهاز على الديمقراطية السورية خوفاً من امتداد النفوذ الشيوعي السوفيتي إليها مجدداً .

6-الانقلاب في العراق على حكم عبد الكريم قاسم بواجهة من البعث القومي العراقي كان مدعوماً من الأمريكيين والبريطانيين وأسهموا في إسقاط النظام الموالي للسوفيات المدعوم من الشيوعيين العراقيين .

نجاح الانقلاب البعثي في العراق وهو ذو توجهات وحدوية أثر كثيراً في سورية حيث تحالف الناصريون مع البعث القومي كواجهة أيضاً لإسقاط النظام الذي اعتمد على قوى يمينية في الجيش تتصارع مع بعضها وتصارعها قوى اشتراكية قوية .

هذا التحالف مع دعم العراق استطاع القيام بانقلاب عسكري عن طريق قوات عسكرية تركت مواقعها في الجبهة مع إسرائيل لتحتل مراكز الحكومة والإذاعة في دمشق وكان قائد الحركة هو اللواء زياد الحريري الذي سبق أن عرض انقلابه على الزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني فرفضه مصمماً على بقاء الحياة الديمقراطية .

كان بعض البعثيين من الضباط قد أنجزوا مخططاً للاستيلاء على السلطة تحت شعار إعادة الوحدة ولكنهم في العمق كانوا يخططون للإنفراد في حكم سورية .

هؤلاء شكلوا { اللجنة العسكرية } وهي التي قامت بإنجاز التحالف مع الناصرين ومع اللواء الحريري فتم لها الاستيلاء على السلطة في 8 آذار 1963 م.

كان الأمريكيون يتخوفون من عودة الوحدة مجدداً ويدعمهم في ذلك كل دول المنطقة التي لا تريد إعادة الاعتبار لدور مصر في المنطقة .

اتخذ العسكريون البعثيون حزب البعث ستاراً لحركتهم العسكرية وكانوا يخططون للسيطرة على قيادته التاريخية بحيث لا يكون لها دور فاعل  إلى جانب اللجنة العسكرية صاحبة القرار.

الأمريكيون لايريدون إعادة الوحدة واللجنة العسكرية والقيادة التاريخية للبعث {عفلق والبيطار} لا يريدون ذلك وإن أعلنوا العكس .

البعثيون في العراق وسورية دعوا إلى وحدة مشروطة بالديمقراطية وبالنظام البرلماني بدلاً من النظام الرئاسي لكي { يطفشوا } عبد الناصر ويحرجوه ويحصلوا على مبرر لشرعية انفصالهم الجديد .

كان ميشيل عفلق يقول يجب إسقاط الانفصال تحت شعار إعادة الوحدة ومن ثم نضع الشروط على عبد الناصر وهي الديمقراطية فإذا رفضها كان هو الانفصالي .

7-بعد انقلاب العراق وانقلاب سورية في 8/3/1963 صارت القيادة التاريخية للبعث تطمح إلى قيادة حركة القومية العربية وتخطط لإبعاد دور مصر, وفي هذا المجال التقت بالأمريكيين الذين ساهموا عن طريق البعثين في منع إعادة الوحدة وتسببوا في انقسام التحالف البعثي والناصري والذي انتهى في 18/7/1963 بمجزرة ضد الناصريين وتم تسريح ضباطهم واعتقلت قياداتهم وصار الحكم عسكرياً بيد اللجنة العسكرية المكونة من صلاح جديد : محمد عمران ، حافظ الأسد ، عبد الكريم الجندي ، سليم حاطوم ، بدر جمعة، فهد الشاعر.

هذه اللجنة بعد أن استتب لها الأمر عسكرياً اصطدمت بقيادة حزب البعث التي دخلت في صراع مع العسكرين وانتهى الأمر في حركة 23 شباط إلى ترحيل القيادة التاريخية بداعي أنها يمينية واختار العسكريون في هذه المرحلة الاتجاه اليساري المتطرف وذهبوا به بعيدا باتجاه السوفيات والمقاومة الفلسطينية لكي يستطيعوا السيطرة على سورية وحزب البعث تمهيداً لمشروعهم الأساسي في صنع بعث خاص بالعسكريين ومقطوعاً عن جذوره التاريخية المعروفة.

 صار البعث الجديد هدفا ً للسياسة الأميركية التي لا تريد سيطرة الاتجاه الماركسي على حزب البعث واللجنة العسكرية وقد أدى الأمر إلى صراعات داخل اللجنة العسكرية خرج على أثرها اللواء محمد عمران بداعي أنه ما يزال يريد تفاهماً مع عبد الناصر ثم انتحر عبد الكريم الجندي ثم حاول حاطوم اعتقال رئيس الجمهورية وفشل انقلابه في السويداء وهرب إلى الأردن هذا الوضع المتطرف واليساري الذي مارس القمع ضد كل القوى السياسية ولم يعترف بها أدى إلى قيام أحد أعضاء اللجنة العسكرية الفريق حافظ الأسد بانقلاب على حركة 23 شباط اليسارية داعياً إلى حرية الشعب وكرامته ووعد بإجراء انتخابات لمجلس الشعب وأوقف المد اليساري وبدأ مشروعه لإقامة دولة جديدة وبعث جديد يدين بالولاء له و لا يملك أي دور فاعل وقد تحقق له ذلك في زمن قياسي .

في العلاقات الدولية أقام حافظ الأسد توازناً بين المعسكرين العالمين { علاقات مقبولة مع الأمريكيين ومعقولة مع السوفيات ولا أحد منهما يشعر بالقهر والاغتراب }

في المنطقة العربية أعاد حافظ الأسد العلاقات مع عبد الناصر دون أن يتعدى ذلك الخط الأحمر العسكري وهو عدم إعادة الوحدة مجدداً .

عبد الناصر ارتاح للأسد الذي أطلق سراح المعتقلين الناصرين وأشركهم في حكومته ولكن أبداً لم يعط لهم ولا لغيرهم من الأحزاب التي تم الاعتراف بوجودها أي قدرة أو مشاركة في صنع أي قرار .

      

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السياسة الأمريكية والوحدة مع مصر

 

قامت الوحدة في 22/2/1958 عبر انقلاب عسكري سوري حيث قام عشرة ضباط من الجيش السوري بمبايعة عبد الناصر من وراء الحكومة والبرلمان والأحزاب في سورية.

الجمهورية العربية المتحدة بقيادة عبد الناصر أنجزت في زمن قياسي أموراً لقيت قبولاً من الأمريكيين فاعترفوا بها على مضض كمرحلة للخلاص منها في المستقبل. أهم ما تم إنجازه بعد الوحدة مباشرة:

1 ـ إعلان الأحكام العرفية في 22/2/1958 في سورية بحجة الدفاع عن الوحدة وضد إسرائيل طبعاً وهذه الأحكام ما تزال سارية في  سورية حتى الآن ...؟

2 ـ  سرح عبد الناصر جميع الضباط الشيوعين أو أحالهم إلى التقاعد المبكر.

3 ـ كبار الضباط من البعثين تم تسريحهم من الجيش وتم تعيينهم في وزارات ومحافظات ومؤسسات وعملياً تم إبعادهم عن الجيش .

4ـ إلغاء النظام البرلماني الجمهوري وتطبيق النظام الرئاسي المصري مكانه.

5 ـ حل جميع الأحزاب السياسية بما فيها البعث الحليف الأساس والدعوة إلى إتحاد قومي (صوري) كحزب وحيد للسلطة .

6 ـ  تم قمع الشيوعين في سورية واعتقالهم الأمر الذي تسبب في خلاف شديد مع السوفيات.

7ـ إلغاء دور القيادة التاريخية للبعث العربي الاشتراكي ولم يسمح لها بأي دور أو مشاركة.

8 ـ سرح جميع الضباط البعثيين من الجيش بحجة إبعاد الجيش عن السياسة .

هذه الخطوات لقيت قبولاً من الأمريكيين الذين ارتاحوا لإلغاء دور سورية المستقل في المنطقة أو ضبطه عن طريق قيادة عبد الناصر وشجعوه على الخلاص من البعثين الأمر الذي اضطره للاعتماد على الضباط المحافظين والمستقلين في الجيش الذين تستروا بالصلوات وهم الذين قاموا بالاتفاق مع الأمريكيين بحركة الانفصال في 29/9/1961.

 

 حاول الأمريكيون الضغط على عبد الناصر للاعتراف بإسرائيل والدخول في المفاوضات معها ولكنه وجد ذلك متعارضاً مع روح قيادته للحركة العربية التي من أولوياتها تحرير فلسطين ورفض ذلك وعندما انفجرت أزمة تحويل نهر الأردن من قبل إسرائيل ظهر العجز العربي حين رفض عبد الناصر الذهاب إلى الحرب لمنع هذا التحويل فأدى الأمر إلى إيجاد مبرر للوزراء البعثين في حكومة الوحدة للاستقالة التي كانت أزمة تحويل نهر لأردن إحدى أسبابها الكثيرة .

وفي سورية وبعد إبعاد البعثين والشيوعيين حدث اصطدام بين سلطة المخابرات السورية التي يقودها عبد الحميد السراج الموالي لعبد الناصر وبين المشير عبد الحكيم عامر الذي انتدب لحكم سورية هذا الوضع الخطير ومع قيام عبد الناصر بتسليم الجيش إلى ضباط محافظين من كتلة الضباط الشوام ومن المتدينين أدى إلى قيام انقلاب عسكري قامت به حاشية المشير عبد الحكيم عامر في 28/9/1961 وانتهت إلى فصل سورية عن مصر.

انهيار دور مصر العربي بعد انقلاب سورية أضعف قيادة عبد الناصر ولكنه أعاد دور حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية وإعادة الحياة البرلمانية والحكم الديمقراطي هي أمور لم يكن الأمريكيون يؤيدونها ويحلمون بسورية معادية للشيوعية والاشتراكية وليست في جيب أي حكم عربي .

صار الأمريكيون قلقين من عودة الحريات والنشاط السياسي في سورية مع تأييدهم لاستمرار الانفصال ومقاومة أي محاولة لإعادة الوحدة مجدداً .

ووجد الأمريكيون الحل وهو تسليط العسكريين على سورية الذين سيقومون بإلغاء الحريات وإعادة الأحكام العرفية ووقف النشاط السياسي وتسريح المزيد من الضباط من الجيش واستبدالهم بضباط احتياط فيصبح الجيش ضعيفاً وغير قادر على المواجهة في أي حرب مقبلة مع إسرائيل.

اختار اليهود الصهاينة تاريخ 5/6/1967 موعدا للحرب مع العرب انتهى إلي احتلال الضفة الغربية والجولان وغزة وسيناء .

البعثيون العسكريون خرجوا على الناس بعد الهزيمة يعلنون أن الحرب لم تحقق انتصاراً لإسرائيل لأنها لم تستطع إسقاط النظام التقدمي في سورية فكانت هذه مفارقة تدعو للخجل والعار حين يصبح النظام السياسي أهم من الأرض التي احتلت وأهم من الوطن.

                            

السياسة الأميركية ومرحلة حافظ الأسد

 

الحركة التصحيحية في عام 1970 في سورية حظيت بتأييد الأمريكيين لأنها أبعدت المتطرفين الذين اتخذوا الماركسية شعاراً لهم وذهبوا بعيداً في التعاون مع السوفيات إلى درجة أن بعضهم كان ينادي بأن تصبح سورية جزءاً من حركة التحرير العالمية التي يقودها السوفيات .

الأمريكيون يعرفون أن حافظ الأسد ليس ماركسياً ولا يريد نفوذاً للشيوعية في سورية إلى درجة إنه كان يرفض إشراكهم في الحكم لولا ضغط الناصرين الذين أقنعوه بضرورة حضورهم وفي هذا المجال أخبرني الدكتور جمال الأتاسي زعيمهم أنه هو الذي تولى إقناع الأسد بإشراكهم لا بمشاركتهم .

أقام الأسد نظاماً جديداً عنكبوتياً تمتد كل خطوطه إلى المركز الذي يقوده هو وبالتالي تكون كل الخطوط مربوطة به وتتقوى به وتخضع لطاعته .

كان التسلسل هو( قائد وحزب قائد وجبهة وطنية مقادة ومجلس شعب مسيطر عليه بحيث لا يوجد لأحد حرية المشاركة في صنع القرار أو حتى مناقشته) .

كان الأسد حسب الدستور الذي اختاره هو رئيساً للسلطة التنفيذية وقائداً للحزب الحاكم وقائداً للقوات المسلحة ورئيساً لمجلس القضاء الأعلى ويملك صلاحيات تشريعية وهذه الصلاحيات لم يملكها أي حاكم في تاريخ العالم.

 تراجع دور الحزب الحاكم وحول صلاحياته في الدستور إلى قائده الذي يدير عمليا الدولة والمجتمع والحزب .

في السياسة الدولية كان نظام الأسد يقوم على توازن دقيق فسورية ليست في جيب أحد المعسكرين ولها علاقات متميزة  مع السوفيات ومقبولة مع الأمريكان.

لا السوفيات شعروا بالغربة ولا الأميركيون شعروا بالقهر كل من يأتي إلى دمشق من المعسكرين يرحب به ولكن صنع القرار مسألة سورية يحركها القائد وحده .

الخلاف بين الأمريكيين وحافظ الأسد كان في الموضوع الفلسطيني لأنه في بداية الحركة التصحيحية أعلن أنه لا تفاوض ولا اعتراف ولا صلح مع إسرائيل كان هذا التصلب ضرورياً لمنع خصوم الأسد اليساريين من اتهامه بالانحياز إلى المعسكر الأمريكي .

بالإضافة إلى ذلك كان الأمر ضرورياً داخلياً لأن المزاج الشعبي السوري لم يكن في وارد القبول بالتفاوض والاعتراف والصلح حيث ما تزال الأرض السورية والعربية محتلة وكان الشعب يريد حلا ًعسكريا ولتخفيف الضغط الدولي على سورية بعد ذلك دعا الأسد إلى سلام مقابل الأرض ولم يغلق باب المفاوضات إذا ذهبت في هذا الاتجاه ووافق دائماً على وساطة أمريكية .

أنجز وزير الخارجية الأمريكية كيسنغر حلاً مرحلياً على الجبهة السورية كمنطقة مجردة من السلاح فقام الإسرائيليون بتدمير جميع بيوت القنيطرة قبل تسليمها لسورية لأن السكن فيها ممنوع كأرض مجردة من السلاح .

الأمر الذي كان موضع خلاف مع الأمريكيين هو موقف سورية من المقاومة التي اعتبرها الأمريكيون إرهاباً في حين أن الأسد طلب وضع تعريف للإرهاب يتم من خلاله التفريق بين حق المقاومة المشروع من أجل حق تقرير المصير وبين الإرهاب المجرد عن أي مشروعية واعتبر الأسد أن نسبة الإرهاب إلى المقاومة الفلسطينية عمل سياسي من مهامه خدمة إسرائيل وأمنها وتمكينها من التوسع والسيطرة والاستيطان وكان قبول ذلك فوق قدرة أي حاكم عربي.

وللإنصاف بقي الأسد طول حياته متمسكاً بمفهومه هذا عن الإرهاب وضرورة التفريق بين حق المقاومة والإرهاب. بالمقابل كان الأسد ضد الفوضى في عمل المنظمات الفلسطينية ويرغب في ضبط هذه العمليات لكي لا تتسبب في حرب قد لا يكون الاستعداد لها قد تم . ثم أنشأ للفلسطينيين في سورية جيشاً للتحرير ممولاً ومدرباً ومسلحاً من سورية وطبعاً كان خاضعاً للإشراف العسكري السوري في حين كان الإشراف السياسي النظري عليه لمنظمة التحرير .

 

 

 

 

الولايات المتحدة وفكرة الوحدة العربية

 

فكرة الوحدة العربية جاءت مع بداية الدولة العثمانية حين حقق البريطانيون تفاهماً مع العرب بقيادة شريف مكة كخليفة صوري مع الوعد بتعينه ملكاً على الولايات العربية في الدولة العثمانية .

كانت فكرة الوحدة الإسلامية أقرب إلى الواقع في الولايات العربية في الدولة العثمانية ولكن تجربة الوحدة الإسلامية عبر الدولة العثمانية التي تسترت بالإسلام أدت إلى إلغاء الدور العربي واللغة العربية فبدت الفكرة الإسلامية  وكأنها شعار لاستعمار تركي .

1 ـ  تنظيم فكرة الوحدة العربية على أساس علماني بدأ في قرنايل عام 1934 في لبنان حين عقد المثقفون العرب مؤتمراً لهم برئاسة رشدي خياطة وضم في صفوفه مسلمين  ومسيحيين وكان من هؤلاء ميشيل عفلق .

هذا المؤتمر وضع تعريفات حديثة للعروبة وفك ارتباطها بالدين فالعربي هو الذي يعيش على الأرض العربية ويتكلم لغتها ويدافع عنها وليس عنده موانع من الاندماج في الحياة العربية ويعتز بتراثها وتاريخها.

العروبة الحديثة أخرجت الدين من التعريف القومي وأدى ذلك إلى اندماج الأقليات الدينية غير الإسلامية في مشروع النهضة العربي .

وقد أصدر المؤتمر مقرراته تحت بند نحن نعتقد ومن يقرأ دستور حزب البعث الذي  أسسه ميشيل عفلق وصلاح البيطار عام 1946 ومن يقرأ دستور القومين العرب من خريجي الجامعة الأميركية في بيروت سيجد أن الفصيلين القوميين اعتمدا مقررات مؤتمر قرنايل .

في هذا الموضوع كانت الساحة السياسية العربية تحتوى اتجاهات عديدة حول دور الدين في الحياة السياسية .

1ـ الأخوان المسلمون : دمجوا العروبة بالإسلام ودعوا إلى حكم يعتمد الشريعة الإسلامية كحل لجميع المشاكل واعتبروا دولة الإسلام التي قامت في القرن السادس الميلادي بقيادة الرسول {ص} هي الشكل الأفضل لأي حكم في القرن الواحد والعشرين !

وهذا الحزب اعتمد المذهب السني وبالتالي كان المنتسبون إليه من هذا المذهب فقط وكان مغلقا على المذاهب الإسلامية وعلى كافة الأديان والطوائف الأخرى التي مع احترامها للإسلام اعتبرت أن المسألة السياسية على أساس هذا الفهم تعني تحويلهم إلى مواطنين  من الدرجة الثانية  أو الدرجة الثالثة .

2- الشيوعيون : اعتبروا الدين أفيون الشعوب ورفضوا إدخال الدين في مشروعهم الاشتراكي وشجعوا على الإلحاد دون أن يعتبروه جرماً .

3 ـ الحزب القومي السوري الاجتماعي:

أسس هذا الحزب المفكر أنطون سعادة من لبنان ودعا إلى اعتبار العراق وسورية والأردن وفلسطين ولبنان وطناً متجانساً وأمة سورية كاملة ورأى أن العروبة مفهوم واسع يضم عدة أمم عربية واعتبر الأمة السورية سيف هذه العروبة ودرعها وفي السياسة دعا إلى فصل الدين عن الدولة فصلاً تاماً وأعطى للمواطنة مفهوماً موحداً ومتساوياً بغض النظر عن الدين والعرق والجنس .... 

4ـ حزب البعث :

لم يفصل حزب البعث الدين عن العروبة وأخذ بمفهوم المثقفين العرب في مؤتمر قرنايل فلم يربط مفهوم العروبة بالدين واكتفى بالاعتزاز بالتراث .

5 ـ الاشتراكيون العرب :

لم يفصلوا الدين عن الدولة ولا العروبة عن الدين واتخذوا شعاراً لهم ...( نحن نحترم الدين ولكن لا نستخدمه في السياسة) ... وعملياً فصلوا الدين عن السياسة فقط ..

فكرة الوحدة العربية على أساس هذا الواقع للحركات السياسية كانت محل نزاع بين الفكر الديني والفكر العلماني .

الأميركيون كانوا محرجين في هذا الأمر فالتيار الديني كان ضد الشيوعية وهو أمر إيجابي بالنسبة للأمريكيين .

أما التيار العلماني فكان يدعو إلى صعود قومي ووحدة عربية وبعض هذا التيار يدعو إلى علاقات مع السوفيات وكل هذا شكل أمراً سلبياً جعل الأميركيين ينظرون بحذر إلى التيار العلماني جملة و خاصة في موقفه من إسرائيل .

بعد الحرب العالمية الأولى بدأت فكرت الوحدة العربية بالانتشار وحنث البريطانيون والفرنسيون بوعودهم للشريف حسين بالوحدة واستعمروا كل الولايات العربية التي كانت ملحقة بالدولة العثمانية ..

الأمريكيون فشلوا في وقف الصعود القومي وبدأت دراساتهم الجديدة حول إيجابيات الوحدة وسلبياتها فماذا حصل معهد (بروكنر) للأبحاث من نتائج ؟

 وحدة مصر وسورية أدت إلى هزيمة للشيوعية في سورية التي كانت مرشحة للتحول إلى أول دولة شيوعية في الشرق الأوسط وتم بعد الوحدة إلغاء البرلمان والحكم الجمهوري الديمقراطي وتولت مصر ضبط الدور السوري في المنطقة وتولت مصر إقصاء الحركات الإسلامية وخاصة الأخوان المسلمين وصار الحكم في الجمهورية العربية المتحدة رئاسياً لا يسمح لا للشيوعية ولا للإخوان بأي نشاط واعتمد على مخابرات حديثة تولى الأمريكيون تنظيمها لكي تقمع أي تحرك شعبي بالإضافة إلى أن هذا الشكل من الحكم الديكتاتوري في المدى المتطور سيشكل عقبة كبيرة تحول دون توسع فكرة الوحدة العربية لارتباطها بالقمع.

 كان هذا من الإيجابيات أما السلبيات فهي في الاستعصاء الحاصل في الموضوع الفلسطيني فالذين أرادوا الوحدة العربية ربطوا إنجازها بهدف أساسي هو الدفاع عن الأرض العربية ورد الغزوات الاستعمارية عنها وطبعاً الغزو الإسرائيلي الصهيوني منها .

فكرة الوحدة العربية والحركات القومية التي نادت بها لم تربطها بالدين في أغلب الحالات كما أن الشيوعية كانت عاجزة عن احتواء المد القومي .

ففي اليمن حققت فكرة وحدة الشمال مع الجنوب إنجازاً قومياً ولكن بالمقابل تم القضاء على البؤرة الماركسية في عدن بعنف لا مثيل وكان هذا مريحا للأمريكيين .

وفي العراق حقق الفكر القومي العربي بقيادة حزب البعث إنجازاً حيث استطاع في شباط 1963 الاستيلاء على السلطة وقتل عبد الكريم قاسم الموالي للسوفيات والمدعوم والداعم للحزب الشيوعي العراقي وكان هذا الانقلاب إنجازاً للفكر القومي ولو أنه تم بمذابح لكل الشيوعيين لا مثل لها في التاريخ الإنساني ...! وبالمقابل كان مفيداً جداً للأمريكيين والبريطانيين  الذين تخلصوا من حكم يساري متطرف هدد مصالحهم النفطية في العراق و الخليج .

وفكرة الوحدة العربية حققت من جهة  إنجازاً قومياً بوحدة مصر مع سورية  وشكل قيام الجمهورية العربية المتحدة حالة صعود قومي في كل البلاد العربية وبالمقابل حققت للأمريكيين قيام بديل يعادي الشيوعية ويمنعها ويعادي الأخوان المسلمون ومن ثم ألغى الديمقراطية والحريات .

يبقى أن فكرة الوحدة العربية كانت محمولة على أمل شعبي بقيام دولة قوية تمسح عار الغزو الصهيوني وتحرير فلسطين وهذا ما أسس للافتراق عن الأمريكيين أما الأخوان المسلمون فكانوا يريدون إعادة الخلافة الإسلامية ويدعون إلى أن الإسلام هو الحل ويستمد أصوله من دولة الإسلام التي قامت في القرن السادس الميلادي في محاولة لاستبدال العروبة بالإسلام على نحو متشدد واعتمدوا الجهاد وسيلة نضال مع أن الإسلام انتشر في آسيا وإفريقيا والعالم بدون حرب ولا جهاد مما حمل بعض المتنورين على القول أن حالة الجهاد بمفهومها الأول لم يعد ضرورياً  مع توفر وسائل الاتصالات والتجارة والإقناع التي حققت إنجازاً هائلاً .

الموقف الإسلامي والقومي العربي كلاهما ضد الوجود الصهيوني ويرفضان الصلح والاعتراف ولهذا فإن الأمريكيين مع استفادتهم من فكرة الوحدة العربية  للقضاء على الشيوعية فإنهم لم يرغبوا في توسعها ويريدون إضعافها لصالح الصهاينة .

أول الانقسامات في الفكر القومي كان بين عبد الناصر وحزب البعث .. فعبد الناصر كان يربط العروبة بالإسلام وهو سبب تشدده ضد المسيحيين الأقباط في مصر حيث منع  توظيفهم في أية مراكز عسكرية أو مدنية مهمة وعوملوا كمواطنين من الدرجة الثانية وبالإضافة كذلك إلى أنه لا يريد الاصطدام بإسرائيل إلى فترة طويلة مبرراً ذلك بتأمين شروط الانتصار في حين كان الناس يلحون على العجلة في دعم المقاومة والتحرير. هذه الأسباب هي التي أدت إلى الخلاف بين قيادة البعث القومي وبين عبد الناصر وأدت إلى إضعاف القوى المؤيدة للوحدة في سورية وقمعها فصار المجال مفتوحاً أمام الرجعية بجناحيها المالي والديني لإسقاط الوحدة في 28/9/1961 م.

الانقسام الثاني في الحركة القومية العربية كان في داخل حزب البعث العربي الاشتراكي, فميشيل عفلق وصلاح البيطار كانا يدعوان إلى إسقاط الحكم الانفصالي تحت شعار إعادة الوحدة مع مصر أما أكرم الحوراني ورفاقه فكانوا يدعون إلى إعادة تنظيم الحزب وترسيخ الديمقراطية وحماية المكتسبات الاشتراكية ولا يريدون إعادة التجربة مع ديكتاتورية تفتقد الإشعاع الضروري اللازم لامتدادها وبالتالي فهم يربطون بين الوحدة والحرية بدون تجزئه ويعتبرون الوحدة تدور مع الحرية وجوداً وعدماً في حين كان العفلقيون يريدون عدم إعادة التنظيم الحزبي لأنهم دخلوا الوحدة مع عبد الناصر على أساس حل الأحزاب ويحلمون بحكم سورية عن طريق فرض شروط ديمقراطية على عبد الناصر لإعادة الوحدة فإذا رفض ذلك يكون هو الانفصالي.

 بعد حركة 8/3/1963 الانقلابية في سورية والتي تمت بالاتفاق بين المخابرات المصرية وقيادة عفلق والبيطار سياسياً وبين قيادة اللجنة العسكرية عملياً فتم اعتقال الجناح الاشتراكي الآخر في البعث وتحميله مسؤولية الانفصال مع أن الذين قاموا بالانفصال وهم الضباط الدمشقيون اليمنيون فلم يعتقلوا ولم يتهموا!

وبعد المباحثات الثلاثية بين وفد العراق البعثي ووفد سورية البعثي وعبد الناصر فشلت الوحدة بين مصر وسورية والعراق مجدداً لأن عبد الناصر رفض الشروط الديمقراطية كما توقع ميشيل عفلق في حين أن العراق لم يقبل بوحدة مع سورية للخلاف على من يقودها .

والمدهش أن البعث العفلقي والعسكري كلاهما أقاما حكماً ديكتاتورياً في سورية وفرضوا الأحكام العرفية وحلوا جميع الأحزاب واحتكروا السلطة أي أنهم طبقوا ديكتاتورية جديدة فاستمر الانفصال قائماً ولكن تبدل ركابه!!

الاشتراكيون العرب انقسموا بعد الحركة التصحيحية بقيادة الفريق حافظ الأسد عام 1970 إلى فريقين واحد يعارض الحكم ويرفض الديكتاتورية وواحد يرى إمكانية الإصلاح من الداخل وشارك في الجبهة الوطنية التقدمية الناصريون الذين انقسموا إلى فريقين مماثلين أيضاً وصار هناك اشتراكيون عرب يتعاونون السلطة وناصريون من الاتحاد الاشتراكي يتعاونون أيضاً وكان لكل فريق جناح يعارض خارج الجبهة.

أهم تطور في الفكر القومي والسياسي هو ما تم في حركة الاشتراكين العرب الذين بدأ وجودهم السياسي من حزب محلي في مدينة حماة أسمه حزب الشباب ثم صار حزباً على نطاق سورية باسم الحزب العربي الاشتراكي بزعامة أكرم الحوراني ثم اندمج مع حزب البعث تحت اسم حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة ثلاثية لميشيل عفلق صلاح البيطار وأكرم الحوراني.

هذا الحزب بعد انفصاله عن حزب البعث في 8/3/1963 أتخذ لنفسه اسم حركة الاشتراكين العرب وطور أفكاره وسلوكه معتمدا على الحاجة الوطنية ومستفيداً من دروس التجربة السياسية .

1 ـ أكد التزامه بالنظام الجمهوري البرلماني الذي يقوم على سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية .

2 ـ أكد احترامه للدين ولكنه منع استخدامه في السياسة .

3 ـ أكد ضرورة الاختصاص بين الدين والسياسة فرجال السياسة مكانهم الأحزاب ورجال الدين مكانهم المعابد والخلط في حركة كل منهما لا يفيد الديمقراطية ولا الوحدة الوطنية .

4 ـ أكد احترامه لحياد الجيش الذي هو ملك لسورية وليس العكس ومنع التدخل السياسي فيه وحدد له دوراً قومياً في الأزمات الكبرى عن طريق مجلس قيادته واعتذر عن تدخله وتدخل كل الأحزاب في الجيش في المرحلة السابقة .

5 ـ أكد احترامه لاستقلال القضاء ومنع الحزبية السياسية فيه.

6 ـ أكد التزامه بالحريات العامة والديمقراطية ومنع إعلان الأحكام العرفية إلا في حالة الحرب الفعلية وموافقة ثلثي أعضاء البرلمان ولمدة محددة وأعطى القضاء حق إلغاء هذه الأحكام إذا انتفت ضرورتها.

7 ـ أكد التزام الحزب بمساندة المظلومين حتى يحصلوا على حقوقهم ومقاومة الظالمين حتى يعودوا إلى جادة الصواب وحددوا المظالم تحديداً واسعاً  بحيث يشمل ظلم الرجل للمرأة وظلم الفلاحين والعمال وظلم العادات والتقاليد وظلم الخارج الاستعماري وظلم القمع والاستبداد.

8ـ أكد التزامه بالوحدة العربية على أساس توفر الشروط الديمقراطية في الحكم ووجود حدود جغرافية ووحدة الجيش والسياسة الخارجية وبرلمان موحد مع برلمانات وحكومات محلية .

9 ـ أكد مقاومته للطائفية والعشائرية ودعا إلى تحويل المواطن من تابع طائفي أو ديني أو عشائري إلى تابع وطني.

 10 - أكد مساندته لحركات التحرر في العالم وللشعوب التي تقاتل من أجل حق تقرير المصير وعلى رأسها الشعب الفلسطيني .

11ـ أكد التزامه باستقلال الحركة العمالية وبضرورة حصولها على حق الإضراب وسمح بوقفه إذا وافق أصحاب الأعمال على قبول التحكيم القضائي .

12ـ أكد التزامه بالدفاع عن حقوق المرأة في الاختيار الزوجي وحق العمل وحق الطلاق وحق التعليم والمساواة في المواطنة وحقوقها .

من كل هذا العرض لتطور فكرة الوحدة العربية وعلاقتها بالأمريكيين سلباً وإيجابياً فإن هذه الفكرة كانت محمولة على شعور قومي نظري وإحساس بالحاجة إلى القوة لتحقيق التطور والذين حملوا هذه الأفكار لم يقدموا دراسات نظرية عن الطرق اللازمة لإنجازها ولا تعرضوا للتعدديات الدينية الطائفية والعنصرية في مناطقها وبقيت الوحدة العربية شعاراً فيه الكثير من النهوض ولكن سحره كان أقوى من الحاجة الملحّة لدراسة نتائج هذا الوحدة وحمايتها وبقي الموقف من الوحدة كالموقف من الدين فيه الكثير من التسليم الذي يخلو من النقاش.

 الأمريكيون الذين عادوا الشيوعية كان بالإمكان أن يحصلوا على الاستقرار في المنطقة عن طريق الفكر القومي لولا اصطدامهم بالموقف الصلب للقومين العرب من قيام إسرائيل ومن باب افتقاد العدالة الأميركية في الموضوع الفلسطيني ومن هذا الباب دخل السوفيات المنطقة......!

من الباب اليهودي والخوف من التوسع الصهيوني دخل الحكام العسكريون الذين تستروا بالقضية الفلسطينية واستخدموها كعلاقة علقوا عليها مشانق الأحرار والحريات ولم يحصد العرب خيراً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الموقف الأميركي من انقلاب القذافي في ليبيا

 

ولد معمر القذافي في عام 1942 في مدينة سرت بليبيا ودخل الكلية الحربية وتخرج منها كملازم أول عام 1961 م.

كان قومياً عربياً ومعجباً بعبد الناصر ومن أحلامه أن يحصل على مركز عسكري يحتل بواسطته السلطة .

في آذار 1962 أرسل الجيش الليبي عدداً من الضباط الملازمين إلى الولايات المتحدة في دورة تدريبية وهناك تم اصطياده والاتفاق معه على الانقلاب .

كان إدريس السنوسي ملكاً على ليبيا وكان شيخاً هرماً ومتصوفاً وزاهداَ في السلطة وليس له وريث لولاية العهد وكان للأمريكيين والبريطانيين قواعد عسكرية في {ويلس} وفيها 600 طائرة وقواعد في رأس حديد وطبرق .

الأمريكيون قرروا إلغاء قواعدهم هذه والاكتفاء بالوجود العسكري في حاملات الطائرات في المتوسط لذلك اتخذوا قرارهم بضرورة الرحيل ولكن أرادوا تأمين بديل سلطوي قوى في ليبيا لأن إدريس السنوسي ضعيف لذلك اتفقوا مع القذافي الذي تزعم مجموعة من الضباط للقيام بالانقلاب عن طريق عدد محدود جداً من الضباط وكانت مهمته إعلان البلاغ رقم 1 من بنغازي لا من طرابلس في الوقت الذي كان السنوسي فيه خارج البلاد.

في هذا الانقلاب لم يتحرك الجيش وكانت الولايات المتحدة هي البطل الحقيقي والضباط كانوا مجرد أحجار شطرنج .أعلن القذافي في بيانه ضرورة رحيل القوات الأجنبية واتخذ الوجه العربي لانقلابه وفق التخطيط الأميركي الذي تم.

أول مبعوث عربي أمريكي للانقلابين كان محمد حسنين هيكل الذي أقنع عبد الناصر بوطنية وعروبة القذافي منوهاً أن هذا الانقلاب يمكن أن يكون رداً على انفصال سورية ويعيد الاعتبار لحركة القومية العربية.

الأمريكيون طلبوا من القذافي أن يوجه إليهم طلباً للرحيل عن ليبيا وفعلاً وافقوا فوراً على الجلاء الذي سبق أن قرروه من أنفسهم وذلك لكي يعومونه كزعيم وبطل تحرير.

جميع المصالح الأمريكية وشركاتها تأمنت للأمريكيين وكذلك المقاومة للشيوعية وذلك عبر حكم القذافي الذي أعلن نفسه عقيداً وهو مجرد ملازم في الانقلاب.

الأمريكيون ساندوه دائماً للبقاء وكذلك الإسرائيليون فالمصالح الأمريكية مؤمنة رغم أي خلاف ظاهري مع الأمريكيين, والإسرائيليون لا يريدون استبداله بحكم عاقل لأن وجوده وتصرفاته تعطي الانطباع للعالم بنوع القوى التي تعادي إسرائيل في المنطقة .

حين قررت الولايات المتحدة بعد 11 /9/2001 نشر الديمقراطية كانت المفاجأة مرعبة حين تصالحت مع نظام القذافي وقبلت توبته واستلمت أسلحته الكيماوية والنووية وقبضت منه المليارات وأبقته في الحكم لأن مثل هذا التصرف يعكس أولوية المصالح الأمريكية النفطية والمالية على الشعارات والمبادئ وكان ذلك أمراً يدعو للخجل والعار ولا بد للسياسة الأميركية يوماً من أن تعتذر عن تصرفها هذا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الأمريكيون واليمن

كانت اليمن محكومة من آل حميد الدين حكماً رجعياً متخلفاً وعشائرياً وفي عام 1962 وعلى المبدأ الأميركي بضرورة نشر الخدمات العسكرية قاد الضابط السلال انقلاباً في صنعاء ضد الحكم الملكي وسانده البعثيون اليمنيون بقيادة السياسي محسن العيني والناصريون وحددوا أهدافهم بضرورة وحدة اليمن الشمالي مع الجنوبي المستعمر من بريطانيا واتخذوا وجهاً عربياً مسانداً لقيادة عبد الناصر ومعادياً للرجعية العربية التي كانت بقيادة السعودية .

السعوديون تخوفوا من انقلاب قوى ضد الملكية وساندوا ثورة يمنية يقودها الإمام ضد الانقلاب الذي استعان بمصر التي أنجدته بجيش وسلاح فصارت الحرب عملياً بين مصر والسعودية .

التدخل المصري هذا كان مرفوضاً من الأمريكيين الذين لم يكونوا مرتاحين من الحكم الملكي أصلاً ولكنهم لا يريدون اليمن في جيب عبد الناصر. فأمد الأمريكيون آل حميد الدين بالسلاح عن طريق السعودية وهزموا المصرين في معارك عديدة ولم يحقق عبد الناصر نصراً نهائياً على السعودية إلى أن تم عقد اتفاق سياسي بين عبد الناصر والملك فيصل استند إلى أمرين الأول انسحاب القوات المصرية الثاني هو بقاء الجمهورية التي أعلنها الانقلاب وطار الحليف الأمامي ... !

في اليمن الجنوبي كان البريطانيون يستعمرون عدن وحضرموت وتقرر دولياً رحيلهم بعد أن واجهتهم مقاومة شعبية عنيد ة مكونة من قومين عرب وناصرين وعشائر اتخذت لنفسها شعاري التحرير والوحدة مع اليمن الشمالي .

انسحب البريطانيون من عدن وحضرموت واستولى على السلطة تحالف ناصري ـ قومي عربي انتهى إلى سيطرة القومين العرب الذين انقسموا على أنفسهم إلى قسمين أحدهما محافظ والآخر يساري ومتطرف جداً وماركسي ..  هذا الجناح الماركسي قام بمذابح عنيفة ضد خصومه السياسيين وأنجز اتفاقات مع الحزب الشيوعي السوفياتي فتشكلت بؤرة ماركسية في جزيرة العرب فقاومتها كل دول الخليج .

كان الحل الأمريكي للوضع هو استثمار فكرة وحدة اليمن استثماراً سياسياً وتشجيعها عن طريق حكم عسكري قوي في اليمن الشمالية يتخذ نفس الشعار وهكذا أمكن في زمن قياسي تحقيق وحدة اليمن الشمالي مع الجنوبي وعقد اتفاق مع الحزب الاشتراكي تضمن شروطاً لم ينفذها يمن الشمال الأقوى عسكرياً بل قام بمذابح لإنهاء الدور اليساري للحزب الاشتراكي وصار اليمن الجنوبي محكوماً من الشمالي ومحروماً من حريات التعبير وصار يترحم على الاستعمار البريطاني.

 الأمريكيون استفادوا من وحدة اليمن لأنها أنهت الدور الشيوعي والماركسي في جزيرة العرب وأبعدت الخطر الشيوعي من الامتداد إلى مناطق النفط الجنوب العربي.

أقام علي عبد الله صالح العسكري الشمالي حكماً ديكتاتورياً واعتمد على مافيا من عائلته وعشيرته للتسلط على اقتصاد البلد وكل قيادات الجيش والأمن و الحرس الجمهوري وأقام مجلساً نيابياً شبيهاً بمجالس الحكام الديكتاتوريين في المنطقة يفتقد حرية الاختيار ومزوراً ومبرمجاً ويتم إخراجه في وزارة الداخلية كأي فيلم سينمائي ...

فقد اليمن الجنوبي حرياته وتساوى في هذا الحرمان مع اليمن الشمالي فنشأت مقاومة جديدة في الجنوب تدعو إلى انفصاله عن الشمال ومقاومة في الشمال تدعو إلى حل يقوم على ترحيل الحكم العسكري وعودة الحريات وبناء دولة ديمقراطية حقيقية.

 في الجنوب وفي حضرموت تحديداً حيث الجهل الكاسح استطاعت القاعدة الإسلامية أن تستقطب عشائر عديدة فصار الإرهاب من اليمن حقيقة استدعت تدخلاً أمريكياً اعتمد مجدداً على علي عبد الله صالح الذي تستر بهذا الدور الدولي ليؤمن بقاءه في الحكم كضرورة للاستقرار.

 لم يكن الإرهاب موجوداً  في اليمن الشمالي ولا في الجنوبي ماعدا في منطقة أبين في الجنوب وبالتالي فإن إسباغ صورة الإرهاب على كل المقاومات في اليمن فيه الكثير من المبالغة التي ساهم علي عبد صالح وعصابته في تغذيتها لأسباب داخلية لاستمرار الحكم الديكتاتوري .

في المدى القريب فإن المقاومة الحقيقية وتضم شباباً متعلماً سوف تميز نفسها عن الفكر الديني وتدعوا إلى ديمقراطية وحكم مدني لتسحب ورقة الإرهاب من يد العصابة العائلية الحاكمة. ويبقى السؤال هل الأمريكيون سيساندون الديكتاتورية في اليمن كما ساندوا القذافي في ليبيا أم تراهم ينضمون إلى الجيل الديمقراطي الجديد الذي ينظر بحذر إلى تصرفات الأمريكيين ويفتقد الثقة بتصرفاتهم .. هذا هو السؤال ؟

 

 

الأمريكيون والسعودية

 

الاتفاق الأمريكي مع عائلة آل سعود بقي ثابتاً مهماً في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط, ومن الجانب السعودي ورغم تشدد المذهب الوهابي الحليف للسعوديين فإن الأمريكيين لم يتعرضوا لأي إزعاج ويرحب بهم وفي الدولة والمؤسسات والشركات ينتشر خبراؤهم ودائماُ بأجور لا يحصل عليها أمثالهم من العرب أو من الأوربيين.

هذه العلاقات الجيدة تعرضت مرة واحد لأزمة حين الملك فيصل اتخذ موقفاً صلباً ضد إسرائيل وقال لوزير الخارجية الأمريكية بعد أن جعله ينتظر ساعات أنه بالموجز يريد أن يصلي في المسجد الأقصى ثم أنه نقل ودائع في المصارف الأمريكية إلى الفرنسية بشيك واحد بعشرين مليار دولار للضغط على الأمريكيين فكانت هذه بداية أزمة يعرف الخبراء في شؤون الأمن أنها أدت إلى رعب في البيت المالك السعودي وانتهت بتمثيلية قتل الملك فيصل على يد مجنون  مزعوم من العائلة وهكذا عادت العلاقات إلى طبيعتها وعادت الأموال إلى المصارف الأمريكية!!

بعد11/9/2001 تبين أن المجموعة الانتحارية التي ضربت الولايات المتحدة كانت بقيادة من ابن لادن السعودي وأكثر المشاركين فيها من السعوديين ثم تبين أن تنظيم القاعدة هو تنظيم تم بناؤه بأموال سعودية وقاعدته الأساسية سعودية ومن وراء الحكم السعودي أو برضاه. صارت القاعدة خصماً للولايات المتحدة للعالم وتم استبدال البعبع الشيوعي الذي سقط عام 1991 بالبعبع الإسلامي السعودي المنشأ عام 2001 !!

الشعب السعودي المشبع بالأفكار الوهابية المتشددة والمتعصبة دينياً كان يدعم القاعدة في حين أن الحكم السعودي لم يكن راغباً في أن تصل الأمور إلى هذا الحد.

السعوديون وبطلب من الولايات المتحدة هم الذين سابقاً جندوا السعوديين والمسلمين للجهاد ضد السوفيات في أفغانستان فنشأت أولى الأفكار التي قادت إلى بناء تنظيم القاعدة. حركة التبرعات للقاعدة من الشعب السعودي ورجال الدين لم تتوقف في حين أن الحكم السعودي لم يقمع القاعدة ولا منع التبرعات ولا التحريض الديني مكتفياً بالحوار مع أنصار القاعدة ونصحهم عن طريق مشايخهم وزعماء عشائرهم وأعفى عن الكثيرين منهم  لعلهم يرتدعون ولكن ذلك كان من المحال.

الحكم السعودي ذي الطابع الديني ظاهرياً والحليف مع أميركا خارجياً وسياسياً صار في وضع حرج.

 المال السعودي وتجارة المخدرات انطلاقاً من أفغانستان وفّرت للقاعدة ولطالبان الحليف الأفغاني لها موارد هائلة جعلتها قادرة على الصمود سنوات بمواجهة آلة عسكرية ضخمة تريد اقتلاعها.

الأمريكيون هم أيضاً صاروا محرجين لأنهم من جهة لا يريدون أزمة مع السعودية حيث النفط السعودي مصدر هام لتجارة النفط في العالم وحفظ توازن أسعاره ومن جهة أخرى لا يستطيعون أن يتوقفوا في حربهم على الإرهاب بعد أن قرروا أن الذين ضربوهم في 11/9/2001 يجب أن يلاحقوا حتى أقاصي الدنيا ويقتلوا وأي دولة تحميهم يمكن أن تتعرض للحرب ويمكن حتى أن تعاد إلى العصر الحجري ...!

وبسبب تشدد الوهابين الديني بعد 11/ 9/2001 نقل الأمريكيون قواعدهم في السعودية إلى قطر والبحرين والخليج ليخلصوا الحكم السعودي من الإحراج بعد أن صار الوجود الأمريكي في السعودية كفراً على الصعيد الشعبي.

هذا الوضع مرشح في المستقبل لخلاف شديد ربما هو أوسع وأكبر من أي خلاف سابق مع السعودية وبالتالي فإن مشروع تقسيم السعودية إلى ثلاث دول واحدة في الحجاز يعاد إلى قيادتها آل هاشم والثانية في الرياض وواحدة في الساحل الشرقي النفطي وتكون ديمقراطية وتمتلك القوة العسكرية الضخمة وفي هذا المجال يلتقي الخوف الأمريكي من التيار الديني في السعودية ومن سيل التبرعات السعودية للقاعدة مع المخطط الإسرائيلي الذي يسعى إلى ما يسمى بطبيعة السلام وهو أن إسرائيل لكي تعيش في أمان يجب أن يحيطها عالم عربي منقسم ومختلف عسكرياً ودينياً وطائفياً وعنصرياً ومتخلفاً ومحكوماً بالاستبداد وهذا الوضع هو الذي يحقق ضماناً للسلام لا التوقيع على المعاهدات التي هي قصاصات من الورق تدوسها نعال الأقوياء...    العلاقات الثابتة تاريخياً مع آل سعود تتعرض اليوم لامتحان عسير قد لا يكفي فيها اغتيال ملك آخر بل للافتراق عن آل سعود وحكمهم الديكتاتوري إلى بديل مقبول أكثر اعتدالاً يجري طبخه وإعداده في المطبخ المخابراتي الأمريكي ...!

 

 

 

السياسة الأمريكية في الأردن

 

الأردن أمارة أقيمت بعد سقوط الدولة العثمانية وأقيم عليها أمير من أبناء شريف مكة هو عبد الله الذي حولها فيما بعد إلى مملكة.

كان الملك عبد الله يرى الأردن صغيرة جداً عليه لذلك كان يدعو إلى ملكية هاشمية تضم كل بلاد الشام وطبعاً تحت النفوذ البريطاني وأعطى لهذا المشروع اسم سورية الكبرى.

 حصل الأردن بعد حرب 1948 مع إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية واستقبل مئات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين من حرب 1948 وأعطاهم الجنسية الأردنية.

صار الأردن دولة أكثرية سكانها من الفلسطينيين وهم بالطبع أكثر علماً من أبناء الأردن ذوي الأصول العسكرية وبعضهم تعود أصوله إلى عشائر الجزيرة وإلى عائلات دمشقية ذات الولاء للعرش الهاشمي .

الأمريكيون دخلوا الأردن متأخرين حيث كان النفوذ البريطاني هو الأهم والأقوى وكانوا يتعاونون مع البريطانين على مساندة الحكم الهاشمي في الأردن واعتبروه بلداً معتدلاً ومعادياً للشيوعية وللدول الموالية للسوفيات في المنطقة .

الإسرائيليون مع اعترافهم بالاعتدال الهاشمي كانوا مسرورين من تصاعد التيار الفلسطيني إلى درجة أن بعض قادتهم كان يريد أن يصبح الأردن وطناً للفلسطينيين الذين يجب أن يرحلوا إلى هذا الوطن ..!

كان شارون يقول علينا أن نسقط الملك حسين ونسلم الأردن للفلسطينيين ولو أقاموا فيها دولة موالية للسوفيات لأنهم سيختلفون على حكمها فينسون الضفة الغربية.

نتنياهو ورد في كتابه {مكان تحت الشمس} أنه يعتبر أن الأردن يمكن أن يكون مرحلياً وطناً للفلسطينيين رغم أنه يعتبر أن وعد بلفور أعطى الإسرائيليين الأردن أيضاً لذلك صار بقاء النظام الأردني رغم اعتداله وموالاته للغرب جملة مسألة لم تحسم بعد مادام الإسرائيليون يدفعون الأمور في الداخل الأردني لصراع فلسطيني ـ أردني واضح .

الأمريكيون رغم احترامهم للاعتدال الهاشمي فإنهم اعتبروا أن الاعتدال الأردني يساعد على السلام في المنطقة ولا معنى لإسقاط نظام يتمتع بشرعية قوية من أجل توسع لم يعد مقبولاً بعد أن قرروا إقامة دولة فلسطينية والاعتراف بها.

لذلك فإن الخطر على الأردن لن يأتي لا من السياسة الأمريكية ولا البريطانية بل من الداخل الأردني الذي تغذيه نوافذ إسرائيلية تريد الإجهاز على نظامه لصالح إقامة وطن للفلسطينيين في الأردن .

الإسرائيليون لا يريدون دولة فلسطينية في الضفة الغربية ولكن لا يريدون خلق أزمة مع الأمريكيين ويفضلون أن( يخرّب) الفلسطينيون هذه الدولة كما فعلوا .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة والسلام مع الفلسطينيين

 

بعد أحداث 11/9/2001 حدث تطوير في السياسة الأمريكية في المنطقة العربية وذلك لاحتواء عملية الصعود الديني المتطرف.

هذه السياسة الإستراتيجية تعتمد على تحقيق أمرين هما :

1 ـ نشر الديمقراطية في المنطقة .

2 ـ حل القضية الفلسطينية على أساس قيام دولة فلسطينية على حدود 1967.

 اعتراف الولايات المتحدة بحق الفلسطينية في دولة كان تطوراً مهماً ولكن لا يمكن إلزام إسرائيل به لولا الحاجة إلى سلام عادل يوقف صعود التيارات الإسلامية المتطرفة التي تذرعت بالظلم الواقع على الفلسطينيين والعرب والمسلمين من جراء الغزو الصهيوني.

كان الوضع في 11/9/2001 هو سلام يقوم على وجود سلطة فلسطينية في غزة وأريحا ولا يوجد أي نص في اتفاقية أوسلو يشير إلى الاعتراف بحق تقرير المصير للفلسطينيين في دولة ذات سيادة وحدود دولية معترف بها.

لذلك كان انتقال الولايات المتحدة ومعها إسرائيل من مفهوم السلطة إلى مفهوم الدولة إنجازاً وأمراً حسناً من كل الوجوه.

كانت إسرائيل ترفض الاعتراف بدولة فلسطينية ولكن التقاء المصالح الأمريكية في المعركة ضد الإرهاب جعلها توافق على مضض وتأمل أن يتم   تخريب مشروع هذه الدولة عن طريق الفلسطينيين الذين سيختلفون فيما بينهم على الدولة وعلى غيرها.

 وحين جاء نتنياهو  إلى الحكم محمولاً على تأييد أحزاب دينية عملياً جاء معه مشروعه الأساسي وهو إقامة إدارة بلدية لشؤون السكان العرب لا دولة ولا سلطة ولا حتى عرب في إسرائيل....!

هذا الوضع الإسرائيلي المتطرف وضع العراقيل لمنع أي حل ينتهي إلى سلام يقوم على وجود دولة وهو ما تحقق وتوقفت المفاوضات مرة بسبب وحشية إسرائيلية مستمرة ومرة بسبب المستوطنات في الأرض المحتلة عام 1967 وعند هذه النقطة حدث افتراق بين المصالح الإسرائيلية في منع إقامة دولة فلسطينية وبين المصالح الإستراتيجية الأمريكية في ضرورة تحقيق عدالة في الموضوع الفلسطيني يحول دون تصاعد التيارات الإسلامية المتطرفة .

لم يتمكن الأمريكيون من إلزام الإسرائيليين بوقف الاستيطان وتوقفت المفاوضات وصار السلام المطلوب احتمالاً صعباً في ظروف سيطرة اليمين الإسرائيلي على الحكم .

صار هدف اليمين الإسرائيلي إثارة النزاع بين الأردنيين والفلسطينيين لإسقاط النظام الأردني بهدف جعل الأردن هو الوطن الفلسطيني البديل عن الضفة الغربية وكذلك إثارة النزاع داخل البيت الفلسطيني حول السلام الذي وقعه عرفات والسلام الذي يسعى إليه محمود عباس .

الأمريكيون تمسكوا ببقاء النظام الأردني المعتدل في المنطقة وإن كانوا يأملون بأن ينتقل إليه اللاجئون وأن يكون وطناً بديلاً لهم وتحت حماية العرش الهاشمي الذي وافق سابقاً على توطين مئات الألوف منهم ومنحهم جنسية أردنية كاملة .

ولتحقيق الاختراق لمشروع الدولة الفلسطينية أدارت المخابرات الإسرائيلية أو شجعت على توسيع شقة الخلاف بين حماس والجهاد من جهة وبين منظمة التحرير من جهة أخرى .

حماس منظمة إسلامية تعود جذورها إلى تنظيم {الأخوان المسلمين} وهي ترفض اتفاقية أوسلو وترفض الاعتراف بإسرائيل وتعتقد أن الصراع مع إسرائيل ليس على مبدأ حق تقرير المصير بل هو الصراع بين اليهود والإسلام.

منظمة الجهاد الإسلامي هي أيضاً منظمة إسلامية وجذورها تعود للإخوان أيضاً ولكنها أكثر تشدداً وترفض أي اعتراف بإسرائيل وتريد استمرار الانتفاضة والصراع  وتريد دولة فلسطينية إسلامية من النهر إلى البحر ...!!

ياسر عرفات في منظمة التحرير كان يعتبر الصراع مع إسرائيل يقوم على مبدأ حق تقرير المصير وليس بسبب عداء ديني أو عنصري وحصل بسبب ذلك على تأييد عالمي لمنظمة التحرير والاعتراف بها كممثل شرعي للشعب.

الآن الموقف الدولي والأمريكي من حماس والجهاد هو موقف سلبي لأن إسباغ الصفة الدينية على الصراع مرفوض عالمياً ويؤدي إلى استمرار الحرب في المنطقة مادام أن اليمين الديني الفلسطيني لا يريد دولة على حدود 1967 بل يريد كل فلسطين وإلقاء اليهود في البحر ومادام اليمين الإسرائيلي لا يريد دولة فلسطينية ولا حتى سلطة فلسطينية ولا يقبل بعودة اللاجئين ولا بالتخلي عن القدس الشرقية.

وهكذا اجتمع اليمين الإسرائيلي باليمين الفلسطيني على غير موعد وطارت الدولة الفلسطينية التي لو قدر الفلسطينيون والعرب معنى قيامها لتصرفوا على غير هذا الشكل لأن قيام الدولة الفلسطينية والاعتراف الدولي الشامل وتحديد حدودها يعني أن المشروع الصهيوني الأساسي في إقامة دولة يهودية خالصة من النيل إلى الفرات كان سراباً وكان فاشلاً وسيؤدي وضع حدود للدولة اليهودية بكيان صغير إلى وقف الهجرة اليهودية .

في غزة أقامت حماس نظاماً إسلامياً إخوانياً متشدداً في الظاهر ولكنها وللحفاظ على السلطة أوقفت المقاومة وعرضت على إسرائيل هدنة لمدة عشر سنوات واعتقلت الكثيرين من الذين أرادوا الاستمرار في المقاومة وصارت مصلحة حماس في تهدئة المقاومة ووقف عملياتها مصلحة سلطوية لا علاقة لها بالمبادئ ولا بالثورة ولا بالتحرير.

صار السؤال الأهم كيف يمكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط في وقت افتقد فيه الفلسطينيون وحدتهم واختلفوا حول الدولة وطبيعية الصراع واقتتلوا وكيف يمكن بناء دولة فلسطينية وإسرائيل ترى مصلحتها في إسقاط النظام الأردني ودفع الفلسطينيين إلى الأردن كوطن بديل وتسفير عرب 1948؟

الولايات المتحدة أوقفت مشروعها السلمي لشعورها بأن السلام المطلوب لا يريده أطراف النزاع وأن الوصول إلى اقتناع الطرفين به يحتاج لزمن طويل لذلك بدأت تصرف جهودها لإسقاط الديكتاتوريات التي صنعتها هي في فترة الحرب الباردة لعلها تحقق شيئاً من إستراتجيتها في وقف تصاعد التيارات الدينية المتطرفة .

وكما يبدو فإن الولايات المتحدة تنتظر حكومة إسرائيلية معتدلة تأتي لاحقاً لكي يمكن استئناف المفاوضات معها لتحقيق السلام .

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة ولبنان

 

لبنان الكبير كان يضم الجبل وبيروت وحين وضع تحت الاحتلال الفرنسي بعد سقوط الدولة العثمانية أصبح لبنان الكبير حيث قام الفرنسيون بضم أقضية أربعة من سورية إليه.

كان سكان الجبل خليطاً من الموارنة والدروز ولكن بعد ضم الأقضية الأربعة إليه صار خليطاً من الموارنة والدروز والمسلمين الشيعة والمسلمين السنة والأرثوذكس والكاثوليك.

هذا البلد وقبل أن يتم وضعه تحت الانتداب الفرنسي في ظل الحكم العثماني كان البلد الأكثر علماً وتطوراً في المنطقة العربية ففي حين كانت كل مدينة من بلاد الشام لا يوجد فيها أكثر من مدرسة واحدة كان للموارنة وفي جانب كل كنيسة مدرسة وبلغ عدد المدارس في عام 1873 مثلا 369 مدرسة وحين كانت المرأة ممنوعة من العلم في العالم العربي كان في لبنان عشرة آلاف امرأة تتعلم لأن المدارس المارونية مختلطة من الجنسين ...هذا الوضع المتميز ولوجود لبنان على الساحل الشرقي للمتوسط ومرتبط مسيحياً بالفاتيكان فإنه استقبل الحضارة الأوربية باكراً .

أول مطبعة دخلت بلاد الشام هي مطبعة دير مار قزحيا وكانت أحرفها حجرية في حين أنه بعد سبعين عاماً دخلت الشام أول مطبعة رسمية للدولة وعين على إدارتها لبناني هو خليل الخوري.

كان لبنان يعلم أبناءه /اللغة الفرنسية/  في المدارس والأديرة وصار هؤلاء حاجة مطلوبة للتجارة والسياحة وصار نافذة لأوربا على كل الشرق العربي.

تمتع الفرنسيون بنفوذ كبير عبر علاقتهم بالموارنة وتلقوا التأييد والمساندة من فرنسا حتى في ظل الحكم العثماني .

خلال الانتداب الفرنسي حاول اليهود شراء بعض الأراضي في جنوب لبنان لبناء مستوطنات فأصدر المندوب السامي الفرنسي مرسوماً مؤلفاً من مادة واحدة تقول { يمنع اليهود من شراء الأراضي في جنوب لبنان ويطردوا منه } .وفي المذكرة الإيضاحية للمرسوم المذكور ورد ما يلي { أن اليهود الذين قطعوا البحر الأحمر أيام النبي موسى لا يمكنهم أن يقطعوا رأس الناقورة أيام دي مارتل }

لبنان المستقل والموحد كان وما يزال حتى الآن في السياسة الفرنسية خطاً أحمراً لا يحق لأحد احتلاله ولا العدوان عليه ولا تجزئته لأن ذلك يصطدم بالفرنسيين مباشرة .

الأمريكيون دخلوا لبنان من باب الثقافة حين قامت مجموعة من الأمريكيين البروتستانت 1864 بإنشاء مدرسة حديثة {المدرسة الوطنية} التي هي النواة للجامعة الأمريكية فيما بعد وأخذت خطاً وطنياً وضمت إليها الطلاب من كل الطوائف ومن كل بلاد الشام وصدر عن المجموعة عدة جرائد مبكرة هي ( الجنة والجنينة والجنان) وكان من أبرز كتابها سليم البستاني.

عبر هذه المدرسة حقق الأمريكيون إنجازاً هاماً حين اعتمدوا سياسة وطنية وحدوية لا تفرق في الدين واللغة والجنس فأقبلت على الدراسة في هذه المدارس نخباً عربية ومنها تخرج قادة سياسيون متنورون.

على الصعيد الديني حصل الأمريكيون على وجود بسيط في الشرق الأوسط للكنيسة البروتستانتية كان معدوماً وامتدوا إلى سورية بمدارسهم هذه.

كان هذا البلد ينعم بحريات غير متوفرة في الساحة العربية واتفقت جميع الطوائف على مساندة هذه الحرية كقاسم مشترك.

المدارس والجامعات والمستشفيات والصحف في لبنان والكتب والمطبوعات حولت لبنان إلى مركز إشعاع ثقافي في كل الشرق الأوسط .

ولأن لبنان هو بلد الطبيعة الجميلة ويتمتع أبناؤه بروح حضارية صالحة لاستقبال السواح صار الهواء اللبناني مصدراً أساسياً من مصادر الدخل الوطني

الشاعر علي الحاج كان يقول  :

{ فإن إلن } ما عرف يوصــف دوا

                                                نحنـا بلبنـــان ثروتنـا الهـــــــوا

منبيع الهوا ومنشتري جوخ وحرير

                                                من لندن وباريس ومنا كل هوا

السياسة الأمريكية في لبنان كانت تحقق مطالبها عن طريق الفرنسيين وتدعم وجودهم وتؤيدهم في كل ما يحفظ لبنان وحرياته وسيادته على أراضية و أثناء الحرب الباردة مع السوفيات وبسبب الحريات الواسعة في لبنان صار للحزب الشيوعي وجود في لبنان مرتبطاً بالحزب الشيوعي في فلسطين .

لم يكن هذا الوجود مخيفاً لأن أعداداً قليلة بالعشرات انتسبت للحزب وكان لبنان الحر بتجارته وعلاقاته بالغرب قادراً على ضبط تصاعده ولم ينجح أي شيوعي في أي انتخابات حرة في لبنان .

بعد قيام الوحدة المصرية ـ السورية خاف بعض اللبنانيين على كيانهم من الصعود الوحدوي العربي في المنطقة فحاول الرئيس كميل شمعون ووزير خارجيته شارل مالك إدخال لبنان في حلف بغداد الموالي للغرب بحجة الدفاع عن الكيان اللبناني.

كان الغرب ضد الشيوعية في المنطقة وضد أي نفوذ سوفييتي فيها وكان ضد أي محاولة وحدوية تبتلع لبنان الكيان الصغير الذي يتمتع بحماية دولية كبيرة .

عام 1958 قادت الجمهورية العربية المتحدة من إقليمها الشمالي السوري ثورة شعبية في لبنان معتمدة على عناصر موالية لها لمنع تحول لبنان إلى قاعدة استعمارية لأن من شروط استقلال لبنان وموافقة سورية على ضم الأقضية الأربعة إليه هو أن لا يكون مقراً للاستعمار ولا ممراً إليه وانتهت الثورة التي كان الأمريكيون  يضغطون عبرها على عبد الناصر لكي يتوقف عن أحلامه بضم لبنان ومن هذه النقطة دخل الأمريكيون شريكاً للفرنسيين إلى لبنان فتوقفت الثورة حين أعلن الرئيس شهاب أن لبنان لن ينضم إلى أي حلف.

ولأن لبنان منطقة تسمع ويؤثر بحرياته على دول الجوار العربية فإن الأمريكيين اهتموا كثيراً بالنفوذ فيه وصار لهم قاعدة استخباراتية قوية  فيه.

في الحرب الأهلية عام 1975 لعب الأمريكيون دوراً كبيراً وساندوا الثورة المضادة للفلسطينيين والتي اتخذت شكل حرب دينية بين المسلمين والمسيحيين في حين أن الهدف الإستراتيجي الأمريكي والإسرائيلي منها هو تصفية الوجود الفلسطيني المسلح في جنوب لبنان والذي تجمعت فيه كل المنظمات الفلسطينية التي هددت إسرائيل وتدخلت في الشأن اللبناني وبعضها كان يوالي السوفيات .

انتهت الحرب الأهلية بدخول القوات السورية بحجة وقف الحرب الأهلية وبموافقات أمريكية وسعودية وإيرانية وأردنية وبريطانية وفرنسية وأدى التدخل إلى حرب بين سورية والفلسطينيين الذين كانوا على مسافة بسيطة من السيطرة على كل لبنان .

أمسك السوريون بالوضع الأمني في لبنان وحذفوا الكثيرين من الفلسطينيين واللبنانيين الذين قاوموا الوجود السوري ولم يفهموا أن الكيان اللبناني ليس مسألة شعب ولا أفراد بل مسألة دولية بالغة التعقيد.

صار للأمريكيين نفوذ قوي في لبنان يوازي النفوذ الفرنسي ويزيد عليه ولكن لا يختلف معه في الأهداف البعيدة وهي وحدة أراضيه وحرياته وسيادته ونظراً للنفوذ السعودي الكبير في لبنان فإن الأمريكيين تمتعوا بنفوذ عربي حليف لهم وفي كثير من الأحيان كان السعوديون يقومون بتحقيق المطالب الأمريكية وشكلوا غطاءً عربياً لهذه المطالب .

كل عمل أمريكي في لبنان يحتاج إلى تغطية عربية ابتداء من شكل الحكم إلى وزاراته إلى انتخاباته ومادام أن للأمريكيين نفوذ على دول عربية عديدة فإنهم غالباً يحققون ما يريدون .

ما يهم الأمريكيون من لبنان الآن هو أن لا تنشأ فيه مقاومة تعادي إسرائيل ولا أن يكون للإرهاب العالمي مكان على أرضه وماعدا ذلك فإن لبنان سوف يتمتع بحماية أمريكية ـ فرنسية سعودية بعيدة المدى بالشراكة مع سورية أو بدونها ولكنه في النهاية لا بد منه في الساحة العربية المقهورة بالاستبداد كواحة للحرية والديمقراطية في منطقة تدوس شعوبها أحذية الطغاة .

 

 

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة والسودان

 

كان السودان جزءاً من مملكة مصر والسودان إلى أن قامت الثورة الناصرية في مصر عام 1952 وكان من إنجازاتها إلغاء الملكية وفصل السودان عن مصر !!

قامت دولة السودان المستقلة وسيطر السودانيون من أصول عربية على الحكم فيها وتوزعت السياسة بين حزب سوداني يؤيد الاستقلال عن مصر بقيادة المهدي وجماعته من الأنصار وبين حزب يدعو للاتحاد مع مصر بقيادة الميرغني ولم يحدث صدام عنيف بينهما لأن السودان اختار الديمقراطية والحكم البرلماني لجمهوريته فاطمأنت النفوس.

وبسبب التعدديات الدينية والطائفية والعنصرية وجدت الشيوعية طريقها إلى السودان فصار الحزب الشيوعي فيه أقوى الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط وهدد هذا نقطة ثابتة  في السياسة الأميركية التي ساندت قيام حكم عسكري بقيادة النميري أطاح بحكومة ديمقراطية حرة بزعامة بابكر عوض الله ووزير خارجيته فاروق عيسى وكانت مصر والاتحاد السوفياتي كلاهما يرتاحان لوجودهما.

النميري شأنه شأن العسكريين دفع ثمن وصوله لرئاسة جمهورية السودان تصفية الحزب الشيوعي السوداني وشنق قياداته بعد أن سلم القذافي هذه القيادات إلى النميري بأمر الولايات المتحدة ....

والثمن الآخر دفعه النميري للإسرائيليين حين سمح لليهود الفلاشا بالهجرة إلى إسرائيل وفق اتفاق سري مع النميري ومقابل أموال دفعت لتسهيل الهجرة السرية، أما في الداخل فقد شن النميري حرباً على أنصار المهدي وقتل 13 ألفاً منهم في جزيرة أبـا على النيل فارتاح من معارض قوي.

 حين صار وضعه الشعبي سيئاً وصارت ديكتاتوريته عنيفة ودموية أراد أن يعيد الاعتبار لحكومته فأعلن تطبيق الشريعة الإسلامية على كل السودان في محاولة لاستغلال الدين لتأمين شرعية وجود ه.

هذا التطبيق للشريعة لم يعطه الأمان المطلوب بل قاد إلى ثورة في الجنوب حيث الأكثرية المسيحية والأديان الأخرى هي الأقوى.

النيمري الذي استخدم الدين كغطاء سياسي اضطر للاعتماد على العناصر الدينية في الجيش وتقرب كثيراً من الدكتور حسن الترابي من جماعة الأخوان المسلمين الذين سرعان ما أسقطوه عبر انقلاب قاده الأخوان المسلمون بزعامة عمر البشير الاخواني.

الأمريكيون ساندوا ثورة الجنوب بحجة حق تقرير المصير وساندوا الثورات الأخرى في دارفور وفي غرب السودان بحجة الديمقراطية فأربكوا النظام الجديد.....

كان مطلوبهم من عمر البشير أن يفك ارتباطه بالترابي وجماعة الأخوان المسلمين ففعل ذلك وانفرد بالحكم وحده وقمعهم .

لم يستطيع عمر البشير إخماد الثورة في دارفور وذهب إلى المذابح فيها بقلب بارد محرضاً جماعة الجنجويد العرب ضد الزنوج المسلمين الآخرين حيث لا يوجد في دارفور غير المسلمين السنة من أصل زنجي والمسلمين من أصول عربية فتسبب في مقتل وتهجير مليون الأمر الذي رشحه للمحاكمة الدولية كمجرم حرب ..

في الجنوب لم يحقق جيشه نصراً خلال 14 عاماً إلى أن أنجز بموافقة أميركية اتفاقاً يقوم على وقف الحرب والدخول في فترة انتقالية يليها استفتاء على انفصال السودان أو وحدته.

وعملياً خسر البشير الحرب في الجنوب وقبل عملياً حق تقرير المصير الذي قاد بعد عدة سنوات من الهدنة إلى إنفصال الجنوب عن السودان نهائياً.

في دارفور سيحدث في المستقبل ما حدث في الجنوب وينقسم السودان مجدداً .

الثورات في السودان والانقسامات والانفصالات هي بسبب الحكومات العسكرية التي ألغت الأحزاب وصادرت الحريات وألغت الديمقراطية التي وحدها تستطيع المحافظة على وحدة بلد متعدد الطوائف والأديان والعناصر كالسودان .

إن ديكتاتورية عمر البشير ستقود السودان إلى الانقسام والانفصالات .

 الأمريكيون في النتيجة يحققون عبر هذه الديكتاتورية أهدافهم في تفكيك السودان والسيطرة على ثرواته وتطوره كخزان غذاء للعالم وخزان نفط والله أعلم .

 

 

 

الأمريكيون والدور المصري

 

مصر في العالم العربي دولة مركزية وفي التاريخ كانت تتنازع السيادة على شرقي المتوسط مع الفرس لذلك كان دورها مهماً في المنطقة كدولة عربية كبيرة تجمعت فيها مراكز علمية ودينية وفنية مهمة ساهمت كثيراً في التأثير على الأجيال العربية .

وعندما حكم مصر محمد علي باشا تابعاً للسلطنة العثمانية تأثر بالدور المصري التاريخي فاستقدم العلماء والمدرسين من فرنسا وأوروبا وتم إعداد جيش قوي ترفده السفن الكثيرة فاستولى ابنه إبراهيم باشا على بلاد الشام وهزم جيوش العثمانيين ووصلت قواته إلى (قونيه) فهدد في الطريق اسطنبول الأمر الذي أرعب الحلفاء الذين كانوا ينتظرون الفرص للإجهاز على الدولة العثمانية المريضة  واقتسام ولاياتها فإذا بالمارد المصري يقتحم الساحة  ليسبقهم إلى هذا الأمل وصار على بعد مئات الكيلومترات من عاصمة العثمانيين فاتفق الحلفاء فرنسا وبريطانيا والنمسا وألمانيا على وقف الطموح المصري في المنطقة فأنذروا محمد علي باشا لكي ينسحب من بلاد الشام وأن يعترف بسيادة العثمانيين وأن يدفع التعويضات فرفض الإنذار وبدأت الحرب حيث دمر الحلفاء أسطوله وقتلوا 25 ألفاً من جنوده وهم في غزة يغادرون بلاد الشام فوافق على الاعتراف بسيادة الباب العالي على بلاد الشام وتعهد بدفع التعويضات ومنع من بناء السفن وبقي حاكماً في مصر !.

كان العثمانيون يريدون استمرار التخلف والجهل في المنطقة لكي يبقى الشعب في بيت الطاعة وكان الغرب الأوربي يرفض أن يدخل التطور والعلم إلى المنطقة ويريد الحكام العرب مجرد عمائم فاخرة على رؤوس فارغة وعند اللزوم يذهبون إلى الحرب لوقف التطور كما فعلوا مع مصر محمد علي باشا بعد الحرب العالمية الثانية.

 كان المخطط بقاء الحكم في عائلة محمد علي باشا تحت السيادة البريطانية على مصر والسودان وكانت مصر أكبر بلد عربي وعبر تأثير الأزهر الديني حصلت على دور مهم استثمره البريطانيون كثيراً.

 الخديوي ثم الملك فاروق كلاهما كانا ألعوبة بيد المقيم البريطاني وقواته على خط قناة السويس.

 البريطانيون كانوا وراء إقامة الجامعة العربية وذلك لاحتواء المشاعر العربية الوحدوية التي تصاعدت مع ثورة الشريف حسين على العثمانين والتي حملت شعار وحدة العرب التي عاهد عليها الشريف حسين الحلفاء فنكسوا بعهودهم له.

 صارت الجامعة العربية بديلاً عن الوحدة وعبرها ترسخت كل الانفصالات العربية التي أخذت شكل دول وصار مركز الجامعة القاهرة وصار أمينها العام مصرياً و صار الدور المصري محكوماً بإرادة دول عربية عديدة مرتبطة بالقرار الجماعي وصار هذا الدور الأول محدوداً بالأمانة العامة التي لا تتبع مصر بل كل الدول العربية .

 في الداخل المصري كانت توجد أحزاب وكان يوجد برلمان وتم احتواء كل التعدديات الدينية والعنصرية عن طريق ديمقراطية لا تحذف أحداً .

حاولت مصر مراراً مقاومة الاحتلال البريطاني وكل أحزاب الساحة كانت تدعوهم للجلاء عن مصر.

وفي عام 1948 وحين قررت الجامعة العربية منع تقسيم فلسطين ساهم المصريون في الحرب وأرسلوا جيشهم إلى فلسطين ولكن هذا الجيش كان قليل التدريب وتبين وجود أسلحة مستوردة فاسدة في مستودعاته فتوقف عند غزة.

 الفشل العربي في منع تقسيم فلسطين كان وراء تصاعد التيارات القومية التي تريد استعادة فلسطين وبؤر عديدة نمت في الجيوش العربية المهزومة والتي كلها تريد إعادة الاعتبار لقوتها.

 صار الحكم في مصر ضعيفاً وقد تم تحميله المسؤولية عن الهزيمة في الحرب 1948 وهو الأمر الذي أقلق البريطانيين لأن خصوم النظام هم خصوم الوجود البريطاني أيضاً.

 في الخمسينيات وتحديداً عام 1952 بدأ تدخل الأمريكيين في مصر في محاولة للحلول محل البريطانين الذين فقدوا ثقة الناس .

الأمريكيون كانوا على علم بالتحركات السياسية في الجيش المصري وشجعوا عليها خاصة أن هذه التحركات يقودها ضباط متدينون يرفضون الشيوعية وهو الأمر الذي كان يهم الأمريكيين في تحصين مصر ومنع أي نشاط شيوعي فيها .

قامت ما يسمى ثورة 1952 بقيادة هؤلاء الضباط الشباب وكان قائدهم في البداية الفريق محمد نجيب الأعلى رتبة ولكن تبين أن المجموعة من الضباط الذين قادوا الحركة كان زعيمهم هو جمال عبد الناصر الذي سرعان ما تسلم القيادة معلناً عن دور مصر الجديد وهو تحريرها من البريطانين والاعتماد على الدائرة العربية وعلى الدائرة الإسلامية فصار ذلك شعاراً لمصر في حقبة عبد الناصر ...( دور أهلي في القضاء على الإقطاع وإشراك الفقراء في الحكم ودور عربي في قيادة العرب في المنطقة ودور إسلامي يراعي دور مصر القيادي).

أيد الأمريكيون انقلاب عبد الناصر معتقدين أن تراجع النفوذ البريطاني يعطيهم الحق في الحلول مكانهم في التأثير على دولة تؤثر كثيراً على الشرق الأوسط.

كانت السياسة الأمريكية تتبع إستراتيجية التعاون مع العسكريين ومساعدتهم ولم تكن الديمقراطية تحقق لهم النفوذ كما أن حرية التعبير فيها تشكل خطراً قد يسمح للأحزاب المعادية وللشيوعية في النمو في مناطق النفط .

حققت الثورة المصرية للأمريكيين مطلبهم في القضاء على أي نشاط شيوعي وفي العداء للبريطانين ولكن الموضوع الفلسطيني بقي عصياً على الحل فالثورة المصرية كان من أسباب قيامها خسارة الجيش المصري الحرب 1948 وبالتالي فإن الثورة تبنت شعارات رفض الاعتراف بإسرائيل ورفض التقسيم والتفاوض والوعد بإقامة جيش قوي لتحريرها .

عند هذه النقطة اختلف الحليفان فالأمريكيون يريدون من مصر الاعتراف بإسرائيل والمصريون لا يستطيعون ذلك لأنهم يفقدون دورهم  العربي وتأثيرهم الداخلي.

 حاول الأمريكيون الضغط على مصر اقتصادياً حين رفضوا تمويل بناء السد العالي الأمر الذي اضطر مصر إلى اللجوء إلى السوفيات الذين وافقوا على تمويل و بناء السد العالي فكان ذلك أول دخول للسوفيات ولو اقتصادياً للمناطق الموالية للغرب .

قام السوفيات ببناء السد العالي وشجعوا مصر على تأميم قناة السويس ولكن أي نشاط شيوعي في مصر كان من الممنوعات .

أمم عبد الناصر قناة السويس وساند المقاومة الفلسطينية فأدى الأمر إلى عدوان بريطاني ـ فرنسي ـ  إسرائيلي استطاع أن يحتل مراكز على قناة السويس وغزة.

 العالم العربي تحرك شعبياً لدعم مصر وقامت سورية بتفجير محطات شركة نفط العراق وقطعت إمدادات النفط العراقي إلى أوروبا ومظاهرات صاخبة اجتاحت الوطن العربي دعماً لمصر .

تصاعد الدور العربي لمصر كثيراً وزعامة عبد الناصر جددت آمال العرب بتحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين واستثمرت زعامة عبد الناصر هذه المشاعر لتعزيز دور مصر في المنطقة .

الأمريكيون وقد هالهم الصعود الشعبي للثورة المصرية وقفوا ضد العدوان الثلاثي على مصر وبسبب الرفض الأمريكي للعدوان والتهديد السوفيتي بالتدخل ونسف محطات النفط في سورية أمكن سحب القوات المعتدية والاعتراف بحق مصر في تأميم قناة السويس مع شرط حرية الملاحة فيها لكل السفن في العالم وتم السماح بإصلاح محطات النفط .

هذا الوضع لدور مصر العربي كان وراء وحدة مصر مع سورية.

الأمريكيون وقد هالهم تصاعد النفوذ الشيوعي في الجيش السوري عبر الديمقراطية تخوفوا كثيراً من تحول سورية إلى أول دولة شيوعية في الشرق لذلك فإنهم لم يقفوا ولم يمنعوا قيام الوحدة بين مصر وسورية وربما أنهم اتفقوا مع عبد الناصر مسبقاً على قبولها أو لم يرغبوا في الظهور المعادي لها لأنهم اعتبروا امتداد النظام المصري البوليسي الذي ألغى الأحزاب في مصر وقمع الشيوعية سيؤمن لهم الساحة السورية ويحررها من الشيوعية وهو ثمن كبير في تلك المرحلة لكي يؤخر الأمريكيون معاداتهم للوحدة إلى وقت آخر.

 كانت الوحدة المصرية ـ السورية تعبيراً عن دور مصر القيادي وصار عبد الناصر قائداً يستطيع أن يجمع العرب وقت يشاء وان يفرقهم ويعبث بهم حين يشاء.

صار تحجيم دور مصر العربي ضرورة أمريكية مادام أنه أنجز قمع الشيوعية في سورية ولكنه استمر في معاداة  إسرائيل  وتهديدها .

الأمريكيون وبمساعدة من الملك حسين في الأردن ساندوا الانقلاب العسكري السوري على الوحدة وتم لهم ذلك بسهولة لأن جميع القوى السياسية التي كانت وراء قيام الوحدة قد تم قمعها وإبعادها فصارت سورية  محكومة  بجهازين للأمن واحد بقيادة عبد الحميد السراج السوري والثانية بقيادة المشير عامر وحين اصطدم الجهازان مع بعضهما على السياسة في الداخل السوري صار بإمكان أقلية عسكرية أن تقود انقلاباً مدعوماً من الأردن لفصل سورية عن مصر مجدداً .

أيد الأمريكيون الانفصال ودعموه ولكن عودة النشاط الشيوعي إليه عبر الديمقراطية التي استعادت مؤسساتها وأجزائها صار ذلك مقلقاً لهم .

كان عبد الناصر يريد إسقاط الحكم الجديد في سورية ولم يكن الأمريكيون في وارد الدفاع عنه ويبحثون عن بديل سوري يؤمن  لهم منع انتشار الشيوعية  .

ضعف الدور القيادي لمصر هو الذي قاده إلى إرسال جيشه إلى اليمن لمساندة ثورتها على الحكم الأمامي لآل حميد الدين الموالي للسعودية ولأميركا عبرهم .

قبل السعوديون التحدي ودخلوا من الباب اليمني الحرب مع مصر عبد الناصر فاضطروه للانسحاب مقابل الاعتراف بالجمهورية الجديدة فكان صلحاً سعودياً ـ مصرياً حقق للطرفين تعادلاً في المطالب .

في سورية استمر عبد الناصر في السعي لإعادة نفوذه في سورية واستعادة الوحدة معها فساند قوى عديدة في الجيش السوري و الأحزاب وعقد أخيراً تحالفاً مع  حزب البعث الذي انقسم إلى قسمين أحدهما قطري بزعامة أكرم الحوراني ويؤيد الحكم الديمقراطي الجديد ولا يمانع بإعادة الوحدة على شروط ديمقراطية والثاني قومي يريد إسقاط الحكم في سورية تحت شعار إعادة الوحدة لاستعادة الثقة بحركة الوحدة العربية وفي الباطن يريد قبل إعادة الوحدة دعوة عبد الناصر للقبول بالديمقراطية حتى إذا رفض ذلك يكون هو الانفصالي .

الحركة العسكرية التي قامت في 8/3/1963 مستندة إلى حليفين ناصري تؤيده مصر وبعثي يؤيده العراق اختلف الحليفان بعد نجاح الانقلاب و في زمن قياسي تمكنت القيادة العسكرية البعثية أن تقمع الناصرين وأن تبعدهم وذهبت للحوار مع عبد الناصر برفقة البعث العراقي في مباحثات لما سمي بالوحدة الثلاثية التي فشلت لأن عبد الناصر لا يريد نظاماً ديمقراطياً ولا يريد تكرار التجربة مع البعث .

في تلك المرحلة ساند الأمريكيون البعث ففي العراق حقق لهم البعثيون إسقاط نظام عبد الكريم قاسم الموالي للشيوعيين الذين تم قمعهم وسحقهم وسحلهم من قبل حزب البعث وفي سورية ألغى البعث البرلمان وحل الأحزاب وأقام نظاماً بوليسياً شبيهاً بالنظام المصري وأعلن الأحكام العرفية فزال الخوف من عودة العداء الشعبي للأمريكيين والغرب وتم إغراق العسكرين في الخلافات السياسية مع قيادة البعث المدنية ومع القيادات العسكرية مع بعضها فكان حصيلة ذلك قيام حركة 23 شباط في عام 1966 التي أبعدت القيادة التاريخية للبعث التي كان الأمريكيون يعولون عليها فكان ذلك مريحاً لعبد الناصر الذي أقام علاقات جيدة مع حركة 23 شباط دون أن يطالبها بعودة الوحدة .

كان عسكريون 23 شباط من الضباط الصغار وهم وراء امتداد النفوذ السوفياتي مجدداً إلى سورية وهو الأمر الذي أقلق الأمريكيين .

عسكريون 23 شباط اليساريون تصرفوا في السياسة بطفولة وأعلنوا معاداتهم للأمريكيين وساندوا المقاومة الفلسطينية الصاعدة وتبنوا الاشتراكية العلمية الماركسية فتجمعت ضدهم قوى عديدة في المنطقة .

 

وفي حرب 1967 التي تذرع الإسرائيليون لشنها بنشاط المقاومة والتصريحات الاستفزازية لحكام دمشق ورغبتهم في توريط عبد الناصر في الحرب.

 فقد الشباطيون الجولان ونشروا بعد ذلك فكراً هجيناً يقول أن إسرائيل لم تنتصر في الحرب لأن النظام التقدمي لم يسقط.

بعد كل هذا العرض التاريخي يتبين أن السياسة الأميركية تجاهلت حركة القومية العربية فمصر بلد تجذر فيه الطموح لزعامة المنطقة بدءاً من الفراعنة الذين نازعوا الفرس على الزعامة وانتهاء بمحمد علي باشا الذي نازع الدولة العثمانية على بلاد الشام وأخيراً عبد الناصر الذي امتدت أحلامه إلى الأبعد وفكر في دائرة عربية تقودها مصر.

الحكم العسكري الديكتاتوري الذي جاءت به الثورة المصرية على الملكية عام 1952 والذي أجهز على المؤسسات الديمقراطية والحريات تسبب في فصل السودان عن مصر وانتهى الأمر إلى احتلال سيناء ثم إلى توقيع اتفاقية سلام منفرد مع إسرائيل والتي أدت إلى تخلي مصر عن دورها العربي وقيادتها .

في الداخل المصري كان الأمر مختلفاً فالشعب لم يكن في وارد التخلي عن دور مصر القيادي ولا عن رفض الصلح مع إسرائيل ولا تقدم خطوة واحدة باتجاه التطبيع معها.

وحتى الأقباط رفضوا الذهاب إلى القدس حجاجاً بعد توقيع اتفاقية السلام لكي لا يأخذ الحج المسيحي المصري أي معنى من معاني التطبيع.

صارت مصر في عهد الرئيس حسني مبارك وسيطاً بين العرب وإسرائيل لا طرفاً في النزاع  بينهما وفي السياسة الدولية تخلت عن حيادها الإيجابي إلى ضده تماماً وصارت حليفاً في بيت الطاعة الأميركي وتلقت مساعدات سنوية تزيد على ملياري دولار.

هذا الوضع للدور المصري العربي أدى إلى صعود التيارات الدينية المتطرفة التي اتخذت لنفسها شعاراً { الإسلام هو الحل } وكل هذه التيارات السلفية كانت تبحث عن الحلول لدور مصر وتطورها في العودة إلى الماضي وآلياته متخلية عن المستقبل وآليات الحضارة الحديثة.

ركزت التيارات الدينية بزعامة الأخوان المسلمين على المظاهرات أولاً وأعلنت حرباً على السفور والخمور وشجعت على الصلوات والحجاب والأغاني الدينية وكفرت كل من يخالفها. بالمقابل كان هناك جيل جديد استلهم روح العصر ويريد دولة ديمقراطية علمانية وصارت مصر تبحث عن مستقبل لدورها بين هذين التيارين فهل ينتصر الشباب العلمانيون الديمقراطيون أم تتحول مصر إلى دولة دينية ..... هذا هو السؤال.؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة وإيران

 

كان شاه إيران عميلاً أمريكياً وإسرائيلياً وكان رجل أميركا في المنطقة الأكثر أهمية للعالم  باعتبارها مورداً للنفط.

النظام الإيراني فشل في تصفية حزب توده الشيوعي الذي صار له امتدادات عبر المقهورين من القوميات المتعددة في إيران وعبر إلغاء الطبقة الوسطى وسيطرة مجموعة قليلة على موارد البلد حيث انقسم المجتمع الإيراني إلى أقلية حاكمة وغنية وشعب فقير الأمر الذي أدى إلى انتشار الشيوعية وعدم قدرة النظام على ردعها .

وحين انطلقت الثورة الإيرانية كانت قيادتها في باريس وحصلت على موالاة التجار الذين فقدوا هم أيضاً نفوذهم لصالح السلطة الحاكمة فما كان من الأمريكيين إلا أن دعوا الشاه لمغادرة البلاد وأقنعوه بأنهم سيعيدونه بعد استقرار الأمور كما أعادوه بعد ثورة مصدق .

رحيل الشاه ونظامه ومخابراته وجيشه كان عملية أميركية الهدف منها تمكين اليمين الديني من إنجاز مهمة القضاء على حزب توده الشيوعي الذي عجز النظام الشاهاني عن تصفيته.

كانت وجهة النظر الأمريكية أن اليمين الديني سيكون حليفاً لها مادام يعادي الشيوعية وبالتالي سيرتاح الأمريكيون من القلق من امتداد الشيوعية إلى مناطق النفط .

والذي حدث أن الثورة الإيرانية قامت بإنجاز تصفية حزب تودة وقطعت العلاقة مع السوفيات ولكنها وبفعل انتصارها أرادت أن تلعب دوراً تاريخياً فقدته منذ زمن طويل وهو الدور الفارسي الشيعي فأعلنت نفسها ثورة للإسلام في العالم وأرادت الامتداد إلى مناطق النفط في البحرين والكويت والساحل الشرقي والعراق حيث توجد المراكز الدينية الشيعية في النجف وكربلاء.

الأمريكيون كانوا وراء تشجيع العراق على مقاومة عملية امتداد الثورة الإيرانية إلى العراق والخليج والسعودية. الحرب الإيرانية ـ العراقية كانت حرباً قومية ضد الفرس يدافع فيها نظام صدام حسين عن عروبة العراق والخليج.

أمدت الولايات المتحدة والغرب جملة العراق بالأسلحة وبالمعلومات والصور وأمدت دول الخليج والسعودية العراق بالمال ورغم انقطاع تصدير النفط العراقي فإن دول الخليج والسعودية كانت تضخ ما يعادل حصته المتوقفة إلى الأسواق من نفطها.

استطاع العراق أن يوقف امتداد الثورة الإيرانية وحصل على مركز قيادي عربي.

السلاح العراقي المتطور والجيش الذي قاتل 8 سنوات صار يشكل خطراً على الخليج نفسه الذي ارتفعت فيه أسهم صدام حسين كقائد عربي كما خشيت من قوته دول الجوار العربي وإسرائيل أيضاً.

الأمريكيون بعد أن حقق لهم نظام صدام حسين مطلبهم بوقف امتداد الثورة الإيرانية صار من مصلحتهم تحجيم هذا النظام لئلا يشكل خطراً على حلفائهم وشركاتهم في مناطق النفط أي إعادته إلى حجمه الحقيقي بعد أن أنجز مهمته في وقف امتداد الثورة الإسلامية إلى الخليج .

من الباب الكويتي بدأ الافتراق مع السياسة الأمريكية حيث شجع الأمريكيون الكويت على اتخاذ إجراءات نفطية تضر العراق وشجعوا عبر سفيرتهم في بغداد صدام حسين على تأديب الكويت ... فكان احتلال الكويت مفاجأة للعالم ...

الشعب العربي كان يساند هذا الاحتلال لأنه نظر إلى الكويت كدولة تحكمها عائلة وتتحكم بمواردها النفطية ولأن الكويت كانت جزءاً من العراق واصطناعها كدولة كان من عمل شركات النفط .

الأمريكيون قادوا دول العالم إلى مشروع حربي ضد احتلال الكويت ولكن في العمق كان الهدف الأمريكي هو تحجيم قوة العراق التي نمت كثيراً والتي صارت تهدد إسرائيل والدول النفطية الأخرى وهو مالا تريده السياسة الأمريكية التي تتولى حماية النفط العربي والاستعمار الإسرائيلي ...!!

استطاع الأمريكيون تحجيم قوة العراق بعد أن دمروا في حرب 1991 جيشه في البصرة وطيرانه وفرضوا عليه الحصار لعشر سنوات وألزموه بالجلاء عن الكويت وبالتعويضات وبترسيم الحدود حيث حصلت الكويت على مناطق واعدة لإنتاج النفط.  

لم يسقط النظام العراقي وازداد عنفه الداخلي ضد مناوئيه  إلى إن قادت الولايات المتحدة منفردة الحرب عليه لاحتلاله وإسقاط نظامه.

المفارقة المدهشة أن إيران كانت الحليف للولايات المتحدة في مشروع احتلال العراق وعلى أرض إيران تجمع المقاتلون الشيعة للدخول إلى العراق وبالإجمال ساند الإيرانيون مشروع الاحتلال الأمريكي في العراق وتناسوا الأخوة الإسلامية وحصلوا مقابل ذلك على نفوذ هائل  لم يحلموا به في كل تاريخهم ....

وعملياً فإن مشروع امتداد الثورة الإسلامية الشيعية إلى العراق قد تحقق ولكن الامتداد إلى الخليج والساحل الشرقي للسعودية لم يحصل ولكنه سيحصل في الوقت اللاحق .... إذا استمرت الولايات المتحدة في سياستها الرامية إلى أحداث صراع سني شيعي على امتداد العالم بحيث يشكل الخوف من المد الإيراني عاملاً مهماً لإبقاء عرب النفط في بيت الطاعة الأمريكي ... ومن جهة ثانية وحين يصطدم تياران إسلاميان مع بعضهما فإن المحصلة هي إضعافهما معاً وتراجع خطرهما على مصالح الغرب في النهاية وهو أمر يسعد إسرائيل ويحقق إستراتيجيتها ...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أسباب الخلاف الأمريكي مع إيران

 

كانت إيران شريكاً للأمريكيين في احتلال العراق وحصلت على حصتها من النصر حيث صار الجنوب العراقي العربي منطقة نفوذ إيراني وصار لها ثلث نظام الحكم الجديد .... !

الخلاف مع إيران هو الآن كالخلاف مع صدام حسين ونظامه لأن النظام الإيراني بعد الحرب الإيرانية ـ العراقية ذهب إلى بناء قوة عسكرية ضخمة ومتطورة ووضع في خدمة هذا الهدف أموال النفط وبقي الشعب مقهوراً وفقيراً وجائعاً ...

المطلوب هو تحجيم القوة الإيرانية لئلا تمتد أكثر خاصة حين ذهب الإيرانيون إلى بناء مفاعلات نووية بمعونة روسية.

لم تكن تلك المشكلة في بناء المفاعلات لإنتاج الكهرباء إنما هي في المخطط للحصول على قنابل نووية تهدد إسرائيل والجوار العربي .

إيران الدينية تسعى إلى إمبراطورية فارسية جديدة بغطاء ديني شيعي وبأسلحة متطورة وبقنابل نووية وترفع شعار المعاداة لإسرائيل لتكتسب الشعب العربي الذي تسعى إلى السيطرة عليه فيما بعد وتشيعه.

السياسة الأمريكية الدولية في المنطقة هو أن السلاح النووي على زناد عربي من الممنوعات لأن هذا السلاح لا يرتبط استعماله في البلاد العربية بمؤسسات وأحزاب بل بشخص واحد قد يستفيق يوماً فيأمر بإستعماله ...

إيران تتذرع بوجود السلاح النووي في إسرائيل والعرب يطالبون بتجريد المنطقة من السلاح النووي والولايات المتحدة لا تمانع في ذلك ولكن بعد إنجاز السلام العربي ـ الإسرائيلي.

الخطر الإيراني على إسرائيل ودول الجوار العربي من المشروع النووي الإيراني أدى إلى خلاف بين إيران والولايات المتحدة .

صار المطلوب دولياً تحجيم إيران ومنعها من إنتاج السلاح النووي وضمن هذا الموقف يمكن إخضاع الخليج والسعودية أكثر ويمكن الإبتزاز المالي أيضاً .

الوجود الإيراني ضروري لإبقاء دول الخليج والسعودية في بيت الأمريكي ولكن هذا الوجود يجب أن لا تكون له أظافر نووية وبعد ذلك كل الأمور مع إيران قابله للمساومة والحل ...!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة والعراق

 

احتلت الولايات المتحدة العراق قبل أن تدرس تاريخه وتراثه الوطني وطباع أهله وردود فعله حين يواجه غزواً خارجياً على أرضه.

هذا التراث يجعل الناس يتضامنون مع حكامهم الطغاة حين يأتي إلى بلدهم غزو أجنبي ويحاربون إلى جانب جلاديهم وبعضهم قد يحولهم إلى أبطال وينسون ظلمهم ....

كان هذا الجهل بتاريخ البلد هو الخطأ الأول.

الخطأ الثاني هو قيام الحاكم الأمريكي بحل الدولة العراقية من جيش وشرطة وأجهزة أمن وسمح باستباحة كل مؤسسات الدولة وكوادرها العلمية ماعدا وزارة النفط طبعاً ..؟؟

أما الخطأ الثالث فهو إقامة ديمقراطية من نوع خاص تقوم على حذف شريحة من النسيج السياسي واجتثاثها ومنعها من حقوق الترشيح فبدت الديمقراطية الجديدة مجرد تبادل أدوار بين حكم ومعارضة ولم يتوفر للعراق ديمقراطية لا تحرم أحداً من العمل العام على غرار ما جرى في الاتحاد السوفياتي بعد سقوطه حيث سمحت الديمقراطية  للحزب الشيوعي أن يمارس حقوقه في الانتخاب وحصل على نسبة معقولة تناسب حجمه ولا تناسب سلطته السابقة فحصل على استقرار وأمن ولم يعد أحد يشعر بالقهر وهذه هي الديمقراطية.

هذا هو الذي أدى إلى  الفوضى وإلى تحويل كل غاضب ومسرح وممنوع من العمل العام إلى مشروع مقاومة وسمح حتى لقوى خارجية أن تجد لها أنصاراً في الداخل العراقي وأن تمارس الذبح والوحشية ناسبة ذلك إلى شعب العراق. هذا الخطأ هو الذي جعل الاحتلال الذي دمر القوة العسكرية عاجزاً ولعدة سنوات مع 150 ألفا من الجنود أن يحقق الاستقرار حتى في بغداد ...

الخطأ الرابع هو الذي تم ارتكابه قبل نهاية العام وفي صبيحة يوم عيد الأضحى وهو إعدام صدام حسين شنقاً بعد أن سلمه الأمريكيون إلى أنصار مقتدى الصدر في الحكومة فزادوا بعبارات الثأر الأمور تعقيداً.

ما هو الصحيح إن صدام كان ديكتاتوراً وقاسياً ولكن ليس وحده في المنطقة التي لا يحكمها الملائكة وبالتالي ليس ظاهرة فريدة.

المهم في التحليل أن حزب البعث في العراق تحول من سلطة باغية إلى مشروع مقاومة مدافعاً عن البلد ضد الغزاة وعن التيار القومي العربي الذي يريد البعض القضاء عليه وعلى دوره في السلطة لصالح تيارات أخرى يحلم بعضها بجنوب عراقي يوالي إيران ويعمل تحت راية ثورتها الإسلامية الخاصة وبعضها يحلم بدولة مستقلة عن العراق في الشمال الكردي.

الرئيس صدام حسين تحول هو الآخر إلى رمز للمقاومة عبر مواقفه في المحكمة التي تحولت هي إلى مهزلة سياسية وتم تبديل القضاة فيها مرات لتأمين حكم مقبول.

تم اغتيال عدد من المحامين عنه كما طردت هيئة الدفاع عنه مراراً وتم فيها ابتداع طريقة لسماع الشهود لم يعرفها تاريخ القضاء وهي إدلاء الشهادة من وراء ستار بحيث لا يرى المدعي عليهم الشاهد لذلك أخذت المحكمة شكل الاغتيال السياسي باسم عدالة لم تتوفر أبداً.

هذا الوضع وعلى خلاف ما اقنع بعض العملاء الأمريكيين به بأن شنق الرئيس صدام سيساعد على الاستقرار فإن الساحة ستكون أكثر عنفاً وتغلق أي إمكانية لمصالحة وطنية في المستقبل المنظور .

في الولايات المتحدة نتائج الاستطلاعات أكدت تراجع نسبة المؤيدين لسياسة الرئيس بوش وسياسته في العراق وترافق مع ضغط شعبي وديمقراطي يدعو إلى انسحاب الأمريكيين من العراق.

تقرير بيكر ـ هاملتون دعا إلى سياسة مغايرة تقوم على الحوار في الداخل مع حزب البعث وفي المنطقة الحوار مع دول الجوار العراقي.

هذا التقرير كان وراء استقالة رامسفيلد لاحتواء النقمة على سياسة الرئيس بوش ولكن المجموعة المتطرفة في البيت الأبيض ترى أن على أميركا أن لا تفاوض أحداً وأن تتابع سياسة العصا الغليظة في المنطقة وتدعو إلى إرسال المزيد من القوات بحجة أن الولايات المتحدة إذا خرجت في شبه هزيمة سوف تتأثر مصالحها النفطية .

اغتيال صدام حسين هو في الواقع اغتيال لتقرير بيكر ـ هاملتون وإرساله إلى سلة المهملات لأن من يذهب إلى إعدام صدام فمعنى ذلك التخلي عن الحوار مع حزب البعث كما في تقرير بيكر بل معنى ذلك انتصار الفريق المتطرف في الإدارة الأمريكية وازدياد ضخ القوات والعنف والقتل والبقاء الطويل في العراق.

 

أما الخطأ الأخير فهو أن الاحتلال نظر إلى العراق على أنه طوائف وعناصر وعشائر وأهمل القوى السياسية وأدار نزاعات فيما بينها لتخفيف ضغط المقاومة عليهم لذلك فشل لقاء مكة لأنه لم يتم دعوة ممثلي المقاومة والقوى السياسية لأن المصالحة لا تحضرها الرموز الدينية بل أمراء الحرب وأي مصالحة لا تدعو هؤلاء هي سباحة في الفراغ.

تحويل الجنوب العربي العراقي إلى كيان منفصل يوالي إيران وشمال كردي يريد دولة منفصلة والقضاء على التيار القومي العربي أو تطويعه أو تحجيم دوره كلها تشكل مهمة مستحيلة ستدفع إلى مزيد من الضعف وإلى إغراق أكثر للأمريكيين في المستنقع العراقي.

لقد سقطت الفرصة الأخيرة التي طرحها تقرير بيكر بإعدام صدام وسوف يعود الجميع إلى مربع العنف الذي لا أفق لتوقفه في الزمن المنظور ومن ينتظر سلاماً في العراق على قاعدة تصفية التيار القومي وبقاء الاحتلال فسوف ينتظره ألف عام .....

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة والولاء المزدوج

 

قال جورج واشنطن في خطبة الوداع: التعلق المتطرف لدولة بأخرى ينتج عنه عدد متنوع من الشرور والذي يجعل الواحدة منهما عداوات مع الأخرى فيشركها بحروبها من دون أي مبررات.

في المقابل قال الحاكم سكرانتون { إن على الولايات المتحدة التزاماً تاريخياً تجاه إسرائيل وأن الحفاظ على ذلك البلد كان فوق المصلحة القومية }  ....

هذا الوضع الفريد للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل جعل الولايات المتحدة تماماً كما قال جورج واشنطن طرفاً في عداوات لا مصلحة لها فيها ومع دول عربية كانت تنظر إليها كمركز إشعاع لحرية الشعوب.

الكاتب الأمريكي بيت هايل قال {عند كل اعتداء جديد يرتكبه الإسرائيليون ينجح بيغن في زيادة العداء بين أميركا والعرب لقد غدونا شركاء في عنفه المطلق العنان متعاونين في افتراضاته الفاشية حول دونية العرب}.  

هذا الوضع أدى في الداخل الأمريكي إلى السماح لليهود الأمريكيين بالتحول الكامل من مجموعة يربط بينها الدين إلى حركة سياسية مكرسة لمصالح  دولة أجنبية.

ومن هذا الداخل الأمريكي خرجت أصوات عدة تندد بهذا الولاء المزدوج وتدق منبهة إلى مخاطره.

ناحوم غولدمان قال (ينبغي على اليهود الأمريكيين أن يملكوا الشجاعة كي يصرحوا علانية بأنهم يتمتعون بولاء مزدوج: الأول للأرض التي يعيشون عليها والثاني لإسرائيل).

ليس صحيحاً إن هذا الوضع الذي آلت إليه العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية يلقي قبولاً من كل الشعب الأمريكي لأن هذا الوضع يؤذي الوطنية الأمريكية كثيراً وهناك كتاب أمريكيون قالوا بوضوح: { فكما أنك لا تستطيع أن تملك أبوين فكذلك لا يمكن أن يكون لك وطنان ـ ألفرد لينينتال }.

وذهب دين إكسون بعيداً في تحليل المستقبل لهذا الوضع فقال {سوف يصبح عاجلاً أو آجلاً كريهاً تماماً أن سياسة ومناورات بلد أجنبي ذي سيادة ترسم من قبل مواطني هذا البلد وهو الأمر الذي جعل اليهودي الأمريكي يشعر بأنه جزء من إسرائيل لدرجة لا يعتبر معها تلك المعاملة التي تلقاها إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من تصرف طبيعي وبناء عليه فهو غير شاعر بالمخاطر الناتجة عن السماح لقطر أجنبي بأن يصبح الشغل الشاغل لمجموعة خاصة من الأمريكيين}.

صارت اليهودية الأمريكية تمثل صراع الأمة مقابل الدين وصار الشعب المختار مقابل عمومية الإنسان.

السؤال الذي يدور في كواليس النخبة الأمريكية وفيها يهود هو هل يشكل اليهود أمة بأي معنى من معاني هذه الكلمة ..... ؟

هناك أحد القضاة اليهود قال عام 1917 وهو إيرفنغ ليهمان :

{نحن من ناحية وطنية أمريكيون وأمريكيون فقط في القضايا السياسية والمدنية ولا نستطيع الاعتراف بأي روابط أخرى وينبغي أن نتطلع إلى صيانة الديانة اليهودية وإبقاءها ضمن حدود تلك المفاهيم الروحية التي تكوّن اليهودية}.

اليهودي هنري موجنثا قال في الصهيونية هي الحركة القومية اليهودية التي تريد تجميع اليهود في العالم في أمة واحدة {الصهيونية هي المغالطة الأكثر سفسطائية في التاريخ اليهودي}.

المشكلة في الولايات المتحدة الأمريكية وقياداتها السياسية وهي فقدان القدرة من قبل النخبة المفكرة على قول الحق.

في هذا المجال يقول رالف تشابلن مندداً {لا تحزن على من مات ولكن احزن على أولئك ذوي المشاعر الفاترة الذين يرون البلاء الأعظم لهذا العالم وأخطاءه ومع ذلك لا يجرؤون على قول الحق}.

إن الولاء المزدوج في الولايات المتحدة خلق فساداً في الحياة السياسية وأساء إلى سمعة أميركا في العالم والتي بنتها على موقف محدد من الشيوعية كمدافعة عن حريات الشعوب والديمقراطية .

في خطبة الوداع للرئيس جورج واشنطن تنبأ الرجل بوقوع هذا الفساد وندد به فقال {الذين يكرسون أنفسهم للدولة الأخرى فيجعلهم يخونون مصالح شعبهم والوطنيون الحقيقيون الذين يقاومون أحابيل الدولة المفضلة يقعون ضحية الاتهام والشك بينما يكسب المحتالون والأتباع الشعبية والمديح وثقة الشعب الذي يخونون مصالحه} .

هذه الجولة في موضوع الولاء المزدوج تبدو اليوم أكثر وضوحاً في الهجمة الباغية على العرب والتي يقودها أنصار إسرائيل الذين يعملون في السياسة الأمريكية فساداً تحت شعار إسرائيل أولاً والذين يتلقون دعماً من ساسة فاسدين حولوا الولايات المتحدة من مركز إشعاع للحرية إلى مراكز للتسلط العالمي والطغيان. وهذا الوضع سيقود في المستقبل إلى تحالف عالمي جديد ضد طغيان آخر تماماً كالتحالف ضد النازية الهتلرية والديكتاتوريات الأخرى التي انهارت لعدوانها على الحرية .

العرب اليوم مدعوون إلى مد الجسور مع النخب المفكرة والعاقلة في المجتمع الأمريكي والدولي لأن الرهان على الطغيان لا مستقبل له في كل مراحل التاريخ والكاتب الأمريكي ودروويلسون قبل حوالي سبعين عاماً قال لا تستطيعون أن تكونوا أمريكيين إذا فكرتم بأنفسكم كطوائف إن أميركا لا تتكون من فئات, الرجل الذي يفكر في نفسه إنه ينتمي إلى فئة قومية خاصة والرجل الذي يتاجر بقومية يهودية ليس جديراً بأن يحيا تحت العلم الأمريكي .

إن الولايات المتحدة ذهبت بعيداً في دعمها لإسرائيل وانتهت إلى مشاركتها في كل  نتائج الوحشية التي مارستها على الفلسطينيين تهجيراً وقتلاً وتدميراً وفي الأمم المتحدة وقفت إلى جانب تصرفاتها التي أدانها المجتمع الدولي بحيث كانت كل القرارات الدولية الإجماعية في جانب وإسرائيل والولايات المتحدة في الجانب الآخر.

أعطت الولايات المتحدة إسرائيل معونات بين عامي 1974 ـ  1975 تعادل 40 % من ميزانية إسرائيل وانهالت عليها القروض والمساعدات بلا حدود إلى درجة أصبحت معها الولاية الأمريكية الواحدة والخمسين.

وفي حرب تشرين قال مصدر في البنتاغون معلقاً على جسر الأسلحة المرسلة إلى إسرائيل {إن إفراغ الترسانة الحربية الأمريكية لصالح إسرائيل إبان حرب تشرين 1973 ترك الولايات المتحدة  بدون حتى فرقة واحدة جاهزة للدخول في صراع في أي مكان في العالم}.

إن الانتخابات الأمريكية والتأثير اليهودي الغني والمتمركز في المصارف والإعلام جعلا أحد المرشحين الديمقراطيين يقول { إن هبة الله لإسرائيل هي أن الولايات المتحدة لها هذا النوع  من الدورة الانتخابية ! }

هذا الوضع الانتخابي جعل أمريكا تعيش في ظل اللامسئولية في أي منطقة في العالم وأدى إلى التضحية بمصالح أمريكا وإلى توسيع دائرة المحتجين والغاضبين والحاقدين عليها.

إن علاقة العرب بالولايات المتحدة كانت دائماً جيدة إلى أن ذهبت الولايات المتحدة في دعم بقاء إسرائيل من إعلان الحماية لوجودها إلى المشاركة في توسعها الصهيوني فوقعت في الحماقة السياسية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة والمشروع الديمقراطي

 

الديمقراطية في التعريف المبسط هي حكم الشعب, إن حكم الشعب يمكن أن يأخذ صوراً متعددة في الحياة السياسية, في العالم لا توجد صيغة جامدة للديمقراطية ولا هي وصفة جاءتنا من الغرب هي صيغة للتعبير عن إرادة الناس تكون أقرب إلى مصالحهم وأقرب إلى رضاهم, كل شعب يستطيع أن يصنع ديمقراطيته ولكن في إطار تحقيق هذه الإرادة العامة لا في الالتفاف على مضمونها ولا في تزوير محتواها. معرفة الإرادة العامة للشعب هو شيء استراتيجي في الديمقراطية أما وسائل تحقيق هذا الهدف فيمكن أن تتبدل وتختلف ولكن لا يمكن أن تقفز عليه.

نحن العرب انطلاقاً من الجزيرة العربية والهجرات التي خرجت منها إلى الشام وإلى ما بين النهرين وشمال إفريقيا كنا عشائر تعيش حياة سياسية تقوم على مبدأ الزعامة, وهذا وصلت إليه العشائر من خلال المصالح فالزعيم هو القائد الشجاع الذي يستطيع أن يدافع عنها ويمكن أن تكون الزعامة امتداداً لزعامة سابقة بالنسب .

في كلا العشيرة أو القبيلة لا ينتخب الناس الزعيم عن طريق الأفراد فهناك ناخبون ثانويون هم { العقال } أو أرباب البيوت القوية في العشيرة ليس كل فرد ينتخب فقط نخبة متميزة وقوية ومطاعة تفعل وتستحق ذلك وهذه النخبة يمكن أن تضم شيوخ العائلات.

 انتقل العرب من العدد الفردي إلى العدد النوعي الذي هو الأقل والأقدر في رأيهم على تحقيق المصلحة العامة وعاشت هذه الصيغة مدة طويلة وأثبتت قدرتها على ضبط المجتمع العربي والدفاع عنه.

 طريقة الانتخاب هذه هي نتاج الحياة البدوية البسيطة وليس لها آليات وشروط معقدة وتتم بطريقة المبايعة العلنية.

يبايع العقال في العشيرة شخصاً على الطاعة في الحرب والسلم وليس من الضروري أن يكون ذلك بالإجماع الذي قد يأتي لاحقاً حين تتوضح رغبة الأكثرية فتقوم الأقلية بإقرار الإجماع والموافقة عليه منضمة إلى الأكثرية التي ينقاد إليها الجميع فيصبح الزعيم مطاعاً ولكن طاعته ليست مطلقة ففي الأزمات والحروب تدعى الهيئة الداخلية التي هي العقال إلى الاجتماع لتشارك في صنع القرار على شكل حوار اتفقت الأعراب على تسميته بالشورى في الرأي مع البيوت والعائلات.

 حين جاء الإسلام منطلقاً من قلب هذه العشائر والقبائل احترم هذه الحقائق وطورها باتجاه الرسالة السمحاء واعتمد الشورى وأخذها من الحياة القبلية ولكن حددها بالعامل الديني.

 احترم الإسلام التعدديات الموجودة واعتبرها جزءاً من عملية الخلق الإلهي (إنا خلقناكم قبائلاً وعشائراً لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم) .لا توجد في الإسلام أفضليات للعشائر والأنساب إلا عبر التقويم الكريم في القبيلة والعشيرة وفي كل التعدديات هو الأكثر في التقوى والإيمان.

 انطلاقاً من هذا المفهوم وبعد أن امتد الإسلام إلى ما وراء العرب وجدنا في الأدبيات تطوراً جديداً هو لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.

 استبدل الإسلام زعامة النسب العشائري بزعامة التقوى فنقل العرب من الحياة العشائرية إلى الحياة الدينية التي يكون فيها للإفراد الحق في أن يكونوا أفضل من كل زعامة موجودة إذا كانوا أكثر إيماناً وتقوى.

اخترق الإسلام الصيغ العشائرية التي أهملت دور الأفراد لصالح العقال فأحدث تبديلاً وأعطى الأفراد حقوقاً لم تكن متوفرة ونقلهم من تابعين للزعماء إلى تابعين لله وبسبب هذا الانتقال صار بإمكان أي مؤمن لا على التحديد العائلي أو القبلي أن يقول لعمر ابن الخطاب: { والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجاَ لقومناه بحد سيوفنا}   

أتوقف عند شرط التقوى فهو ليس في ممارسة الشعائر من صلاة وصوم بل هو مفهوم واسع يمتد إلى حسن الجوار والأخلاق وكل ما يرضي الله في التعامل مع الناس {عامل الناس كما تحب أن يعاملوك} وفي المسيحية : {كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم بهم أيضاً} وهكذا صارت التقوى شرطاً على الحكام أنفسهم لتكون طاعتهم واجبة.

تقول الآية  في القرآن الكريم : أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم . كانت هذه الآية من أكثر الآيات إثارة للجدل والاجتهاد فالحكام تمسكوا بالنص الحرفي ليأخذوا طاعة مساوية للطاعة الواجبة لله وللرسول وهذا ما اتفق على تسميته بالحق الإلهي المقدس للحكام وبالمقابل اجتهدت المعتزلة والتي تمثل حركة العقل وكل القوى المعارضة معها أن هذه الطاعة ليست مطلقة وإن الأخذ بظاهر النص دون مضمونه يخالف المبادئ العامة للشريعة ولذلك لا طاعة لحاكم فاجر لا يتقي الله في شعبه والحاكم تكون طاعته واجبة ما أطاع الله والرسول ولا طاعة مستقلة له عنهما أبداً.

كل الحكام العرب منذ فجر التاريخ تذرعوا بهذا النص ليفرضوا طغيانهم على الناس فنشأت على هامش هذه الحاجة السلطوية مذاهب دينية تبرر ذلك كالمرجئة التي قالت بأن الطاعة للحاكم واجبة ولو كان فاسقاً شريراً وبلا تقوى لأن الله هو الذي اختاره وحسابه يكون عند الله في الآخرة.

من التاريخ أن أبا جعفر المنصور عيّن والياً على مصر وهو يحيى بن داوود الخرسي ولم يكن من الصالحين الأتقياء وكان قاسياً وشرهاً للمال وحين راجع المنصور وفد من العلماء في الأمر قال لهم : إن ما تقولونه صحيح من وجهة نظر دينكم ولكن من وجهة نظري كحاكم غير صحيح والوالي هذا رجل مناسب وضروري فلما سألوه التفسير قال لهم : هذا الرجل يخافني ولا يخاف الله .. وفهم الوفد أن التقوى في الشريعة لم تعد من شروط كل الحكام !

اعتدى المنصور على ضابط (التقوى) وشهدنا اعتداءاً مستمراً على هذا الضابط من أغلب الحكام في التاريخ العربي امتداداً إلى العصر الحديث حيث تفاقم الأمر كثيراً وصار الذين لا يخافون الله سلعة مطلوبة وضرورية للحكام العرب كلهم وكل حاكم عربي اليوم يحيط نفسه بعدد من هؤلاء ليأمن وليقمع خصومه بدون رحمة وعلى أيدي هؤلاء الذين لا يخافون الله ولا يعرفونه ولديهم استعداد لارتكاب المجازر نشأ مجتمع القمع والقهر العربي وفيما عدا الفترة الراشدية وبعد أن انتقلت السلطة من الخلفاء الراشدين إلى الملوك الخلفاء عادت عملياً روح العشيرة وعاد النسب العائلي وفقد شرط التقوى وضرورته وفقدت الشورى حضورها ولم يبق من المرحلة الراشدية غير اسم الخلافة لكي يتسول به الحكام الملوك السلطة الدينية على الأتباع كحق إلهي مقدس {المال مالي وسلطتي من الله} فأين المبارزون ؟

عاد الحكم العربي عشائرياً عائلياً وانتصرت العشيرة على الإسلام واستثمر الحكام العرب الإسلام استثماراً سيئاً وجعلوه غطاء لاستبدادهم بعيداً عن شرطي التقوى والشورى.

 في البلاد المتطورة اليوم يأخذ الحكام شرعيتهم من صناديق الاقتراع وفي العشيرة يأخذ شرعيته من العقال أما الحاكم العربي اليوم فيأخذ شرعيته من الله مباشرة ولا يرضى بأي واسطة بينه وبين الخالق وصار عملياً نصف إله !

تحت هذه العناوين الكثيرة والمشابهة ومن مذهب الإرجاء إلى التمسك بالنص الحرفي للآية أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم . دون النظر إلى مضمونها صارت السلطة ملكية عشائرية أولا ثم لاحقا صارت استبدادية مطلقة لم ينتخبها أحد ولا يحاسبها أحد غير الله وعلى هذا المخزون التاريخي والتراثي كيف يمكن إقامة  الديمقراطية في  المجتمع ؟

بعد سقوط الدولة العثمانية قامت في المنطقة العربية جمهوريات تأثرت بأوروبا ولكن في التطبيق بقيت هذه الجمهوريات تحمل معالم الحكم الملكي وتنطوي على حنين دائم للحكم الملكي الاستبدادي وعملياً كل الجمهوريات العربية تحولت إلى ملكيات تحت اليافطة الجمهورية لأن مبدأ تداول السلطة غير موجود .

 أخذت الأنظمة العربية من الديمقراطية الشكل الظاهري كالانتخاب ونظام المجالس ولكن في التطبيق تم تفريغ هذا الشكل من المضمون وتحول الانتخاب الديمقراطي إلى التعيين بالانتخاب وتحولت المجالس إلى ساحات للنفاق وإلى أصابع مرفوعة بالدعاء والموافقة وصار عندنا مخزون كبير في أصول التزوير والتلاعب بالإرادة العامة للناس وهكذا طار المضمون الديمقراطي كما طار في القديم شرط التقوى في الحكم الإسلامي !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مستقبل الديمقراطية في المجتمع العربي !

 

البعض يرى أن الديمقراطية لا تصلح للمجتمع العربي والدليل على ذلك أنهم أجهزوا على الشورى وعلى شرط التقوى وحولوا جميع جمهورياتهم إلى ملكيات تحت اليافطة الجمهورية وأنهم  برعوا في تزوير الانتخابات وتلاعبوا بالإرادة العامة هؤلاء يدعون أن العرب فرديون ولا يرتاحون لحكم دستوري.

هؤلاء وأمثالهم في الساحة العربية يرون أن المجتمع العربي لا يحتمل إلا أحد طريقين : إما حكم الناس استناداً إلى المقدس الديني أو الحكم الديكتاتوري لذلك يستبعدون الديمقراطية ويعتبرون الحكم الديكتاتوري منحة من الله.

الأنظمة الديكتاتورية العربية صارت بعد قيام أمريكا بتطبيق قوانين الطوارئ بعد أحداث 11/9/2001  تقول أن أميركا وكل العالم استعار من عندنا قوانين الطوارئ لأننا  كنا على حق ! وفات هذه الأنظمة أن الناس ليسوا أغبياء  فهناك فرق كبير بين طوارئ تطبق لمدة محدودة وبسبب حدث معين وبين طوارئ أبدية غليظة على العقل والقلب.

 أحد المنظرين قال أن الإنسان العربي يحن دائماً إلى الحكم القوي ولا يحب حاكماً وديعاً لا يجلده.

 على الجانب الآخر يعتقدون أن الشكل الأول لدولة الإسلام هو وحده الصالح للمجتمع العربي والديمقراطية بدعة أوربية مستوردة وأن ضابط (الشورى) يكفي لمنع الاستبداد ولسماع الرأي الآخر مع أن هذا الضابط لم يطبق أبداً وبقي نظرياً .

 أهمل هؤلاء التطور وتجاوزوا عامل الزمن وكون ما أنجزه العالم من حضارة وعلوم من حق الإنسانية كلها ثم إن الديمقراطية هي نتاج العلم لا نتاج الأديان ولا القارات لأنها سابقة عليها منذ اليونان فإن تخويف الناس وتطفيشهم من الديمقراطية لا يهدف إلا إلى استمرار مجتمع القمع والاستبداد.

 المجتمع العربي اليوم ذاهب لا محالة إلى انقسام حاد بين الذين يريدون دولة دينية وفق النموذج الذي تم في أوائل القرن السادس الميلادي وبين الذين يريدون دولة على النمط العلمي الحديث ويريدون ديمقراطية يتداول من خلالها الناس السلطة ويشاركون فيها كما هو الحال في دول العالم المتطورة.

 

 إن الواقع الحالي للنظام العربي لا ينتسب إلى هذين الشكلين فمن صفات النظام العربي و مبادئه : (أنه لكي تكون حاكماً لا صورة حاكم ولكي لا تتقيد بمؤسسات تعرقل أعمالك يجب قبل كل شيء أن تكون مهاباً ليس مهماً أن تكون محبوباً ولا ضرورة أن يحبك الناس ولا ضرورة لأن تمتلك مواصفات السلف الصالح يكفي أن تكون جباراً عنيفاً جلاداً يحيط بك أتباع لا يحللون ولا يحرمون ولا يتوقفون عند المبادئ والقيم والأديان لتحتفظ بعرشك وسلطتك . الهيبة تأتيك بالطاعة وبالمؤيدين والمنافقين وهذه الهيبة تقوي شرعيتك بمواجهة الذين يفكرون يوماً بانتهاكها.حين تكون مهيباً فأنت بالضرورة ستكون محبوباً لأن الناس اعتادوا على موالاة القوي وفي أعماقهم  لا يحبون الضعيف من الحكام) .

صناعة الحكم في الشرق هي صناعة الأقوياء وكما أن الزعيم في العشيرة يجب أن يكون قوياً لكي يكون مطاعاً فإن الحاكم العربي يجب أن يكون كذلك لهذه الأسباب والأوضاع فإن الديمقراطية الدستورية أصبحت صعبة المنال لأنها تنبت في غير أرضها وتواجه رأياً عاماً لا يجب إلا أصحاب القرار من المستبدين وهذا رأي أعداء الديمقراطية.

هذه هي المشكلة كيف يمكن تجاوز هذه الحالة الموروثة من حاكم فرد وزعيم عشيرة وملك مستبد إلى حاكم دستوري يختاره الناس ويعزلونه بإرادتهم عن طريق الاقتراع الحر.

 كل حركات العقل في التاريخ العربي أبيدت ونجحت صناعة الحكم المطلق والمهاب وسقطت كل أشكال الشورى في الإسلام وكل الجمهوريات الديمقراطية تحولت إلى ملكيات فكيف يمكن الانتقال إلى الديمقراطية ودولة المؤسسات؟ وما هي الوسائل للوصول إلى شكل من الحكم يحترم التراث ولا يتناقض مع حركة العقل؟ وكما أرى لا بد من بنية تحتية للديمقراطية لا نضطر في غيابها إلى اغتيال أي شكل ديمقراطي وهذه البنية هي:

1 ـ إعادة النظر بالتربية السياسية: جميع أحزاب الساحة العربية لم تهتم بالتربية السياسية وكل حزب كان ولا يزال يدرس منتسبيه أن لديه الحقيقة الكاملة وأن الآخرين إما مع الباطل أو مع الاستعمار هذا القرار الشديد القسوة هو المسؤول عن تخريج أجيال من الفاشيين الذين تعلموا في أحزابهم كيف يتعصبون لحزبهم وبرامجهم وحين يمسكون بالسلطة يطبقون قناعتهم في وحدة الحقيقة في أحزابهم فيعكسون ذلك على الرأي الآخر إرهاباً وحذفاً .

 

على الأحزاب أن تبدل طريقتها هذه وأن تعلم المنتسبين إليها أن في كل حزب أو حركة أجزاء من الحقيقة لا الحقيقة المطلقة ولا مانع من أن تقول لأتباعها أن لديها الجزء الأكبر وذلك لكي تؤسس في نفوس أتباعها روح القبول بالرأي الآخر.

 لا يمكن بناء الديمقراطية بدون الاعتراف بالتعددية وبالحوار معها لذلك يجب أن نتعلم مسيرة احترام الرأي الآخر وحقه في الوجود والحرية من المدرسة الحزبية لمنع أي إمكانية لتحول هذه الأحزاب إلى مدارس لتخريج الفاشيين والمستبدين.

2 ـ العمل بالوسائل السياسية: لا يمكن تصور الديمقراطية في بلد بدون اتحادها بالوسائل السياسية كل جنوح للعنف والانقلاب والاغتيال خارج عن الديمقراطية التي تعتمد الحوار والإقناع وتحتكم للتصويت. الوسائل السياسية هي أداة العمل في الأحزاب وحين ترفض هذه الأحزاب العنف وتعتمد الوسائل السياسية في نضالها السياسي فإنها تساعد كثيراً في بناء الديمقراطية وديمومتها .

إن الذين لا يعملون بالوسائل السياسية ينشرون الكره والتعصب ويدمرون الوحدة الوطنية ويجعلون الديمقراطية بعيدة المنال ويعطون كل المبررات لأي حكم قمعي أن يلغي الحريات ولا نحصد خيراً للبلد أبداً .

3 ـ التعددية السياسية والولاء الوطني: في أي بلد يكون فيه تعدديات  دينية أو طائفية أو عنصرية لا يمكن تطبيق قاعدة واحدة لأن باقي التعدديات ستشعر بالقهر فحين لا يكون الوطن للجميع لا يكون الجميع للوطن لذلك يجب أن يكون هناك قاسم مشترك يمكن تطبيقه على الجميع دون أن يخل بمبادئ المساواة.

في الديمقراطيات الحديثة القاسم المشترك هو الولاء الوطني لكل إنسان  الحق في أن يعتز بدينه وطائفته وعنصره ولكن الولاء هو للوطن. نعطي الناس حريتهم ونأخذ منهم الولاء الوطني هذا القاسم المشترك يسمح بأن يكون الدين محترماً وأن يكون مسألة شخصية أما التعصب فهو مرض لا ينتسب إلى أي دين أو مذهب.

4 ـ الديمقراطية والاختصاص: إن المجال الذي تعمل فيه وعليه الديمقراطية هو المجال السياسي وفي هذا المجال تستعمل أدوات هذا المجال وهي الوسائل السياسية وحدها لذلك ولكي تقوم ديمقراطية صحيحة فإن توزيع الاختصاصات على مختلف التعدديات يصبح حاجة حقيقية لكي لا تكون هناك فوضى بالعملية الديمقراطية وتعطل عملية التعبير عن الإرادة العامة.

 في الديمقراطية رجال السياسة يعملون في الحقل السياسي ورجال الدين في الحقل الديني ولا مصلحة أبداً في الخلط أو التداخل بينهما رجال الدين مكانهم المعابد ورجال السياسة مكانهم الأحزاب لا يحق لرجال الدين أن يعملوا في السياسة ولا لرجال السياسة أن يستغلوا الدين أو يستخدموه في نشاطهم السياسي ستاراً.

 هذا الفصل بين المجالين يمكن عدم مراعاته في الكوارث والغزو الأجنبي حيث يتحد الديني بالسياسي في عملية شاملة موحدة للدفاع عن الوطن.

 في الاتحاد السوفيتي وأثناء الغزو الألماني اتحد الحزب الشيوعي مع الكنيسة من أجل الدفاع عن الوطن على ما بينهما من اختلاف وتباعد وفي فلسطين نشهد هذا الاتحاد , إن دمج الديني والسياسي في غير هذه الظروف يؤدي إلى حلول المقدس الديني محل الاقتراع وهو الأساس في النظام الديمقراطي  ويستحيل بعدها وجود تداول للسلطة.

 هذا الخلط بين السياسة والدين يقودنا إلى استبداد جديد بحيث نتنقل من الاستبداد السياسي إلى الاستبداد الديني ونخسر الديمقراطية وحرية الرأي والحق في تداول السلطة عن طريق التصويت الحر.

 ليس من المصلحة أبداً أن ينقسم المجتمع بين من يريد دولة دينية وبين من يريد دولة ديمقراطية فمثل هذا الصراع هو نتيجة للخلط في الاختصاص بين الدين والسياسة وهو صراع مدمر.

 التيارات الدينية المعاصرة ليست من صنع الاستعمار بل هي من صنع أخطاء الأنظمة العربية وأحزابها التي فشلت في تحرير فلسطين وفشلت في الوحدة العربية وفشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية وأنتجت حالة قمعية استباحت بسببها الحريات.

هذه التيارات قدمت نفسها بديلاً وتسترت بالدين لتجمع حولها الأنصار وحين جوبهت هذه التيارات بالعنف كان أمراً كارثياً وتصاعدت لأن المطلوب هو أن تصلح الأنظمة العربية نفسها وأن تفتح نوافذ الحرية وأن تذهب إلى العدل الاجتماعي بصدق وأن تتوحد بمواجهة العدوان الخارجي وعن هذا الطريق وحده يمكن هزيمة الهجمة المتخلفة.

الديمقراطية تهزم التطرف أما العنف فسيزيد الأمور تعقيداً ولن نحصل على السلام الاجتماعي.

 بدون أن يصلح اليسار القومي والعربي نفسه فإن هذه التيارات ستستولي على الشارع وتنشر المفاهيم القديمة على مجتمع القرن الواحد والعشرين. وحين تمسك بالسلطة فإنها ستعلق المشانق لمخالفيها لأن الديمقراطية ليست هدفها بل السلطة و سوف نتنقل من الاستبداد القومي أو اليساري إلى الاستبداد الديني وتظل تبحث عن نسمة الحرية بلا جدوى.

وفي ظل الأوضاع الراهنة حيث حط الأمريكيون بجيوشهم في العراق واحتلوه ومعهم مخطط كامل لاحتلال كل شرقي المتوسط وتفكيك جغرافية بلدانه وتقسيمها ويرفعون شعار مقاومة الإرهاب وشعار الديمقراطية فإن علينا أن نعري هذا المخطط وأن نفرق بين ما هو إرهاب وما هو مقاومة مشروعة للاحتلال وأن نذهب بشجاعة إلى الديمقراطية ليس لتلبية الغرب بل بفعل الحاجة الداخلية لتحقيق سلام اجتماعي يمكن بناء وحدة وطنية صلبة عليه تكون هي قاعدة النضال ضد الغزاة.

الأمريكيون لا يدعون للديمقراطية إيماناً منهم بها فهي عندهم مثل أي بضاعة تخضع لاقتصاد السوق فإذا كانت في مصلحتهم رفعوا لها الرايات وإذا كانت ضدهم جاءوا بالعسكريين للإجهاز عليها.

 المسألة بسيطة الحكومات العسكرية الديكتاتورية التي نشرها الأمريكيون لمقاومة المد الشيوعي هي التي أجهزت على الديمقراطية وحولت الشعوب إلى رعايا ودجنت كل فكر ورأي وتركت للطبقة الجديدة أن تستبيح الاقتصاد وأن تقضي على الطبقة الوسطى التي هي قاعدة الديمقراطية فانقسم المجتمع العربي إلى طبقتين طبقة السلطة التي تملك السلطة والمال وباقي الشعب في الطبقة الأخرى فقيراً وعاطلا عن العمل.

هذا الانقسام الحاد وغير الطبيعي سينفجر طبيعياً والذين يستغلون الدين أقدر على استغلال الطبقة الفقيرة التي اعتادت اللجوء إلى الله بمواجهة الفقر والظلم وهكذا ولدت من رحم هذا الانقسام الحركات الدينية المتطرفة التي استولت على شعارات الأحزاب القومية والتقدمية بمواجهة المستعمرين والصهاينة وطرحت نفسها بديلا لذلك وبدلا من أن يلعب الخارج الاستعماري هذه الورقة يجب أن نلعبها نحن ذاتياً لا كمطلب خارجي بل كحاجة داخلية للوصول إلى الوحدة الوطنية وترتيب البيت العربي الداخلي لمواجهة الاحتلالات القادمة بدلا من أن تكون في خدمتها.

 ورقة العمل الوطني أو الميثاق الوطني المطلوب يمكن أن يتضمن أسساً تقوم عليها وحدة الجماعة والديمقراطية وهذه الأسس الوطنية هي :

1 ـ مبدأ تناول السلطة قاعدة أساسية في الديمقراطية التي تقوم على انتخابات حرة لا يحذف منها أحد ولا يمنع ما دام يعمل بالوسائل السياسية.

2 ـ رجال الدين مكانهم المعابد وهم فيها أحرار محترمون.

3 ـ رجال السياسة مكانهم الأحزاب وهم فيها أحرار ومحترمون .

4 ـ لا يجوز لرجال الدين العمل في السياسة ولا لرجال السياسة استغلال الدين في العمل السياسي. 

5 ـ لكل مواطن الحق في أن يعتز بدينه وطائفته ومذهبه وعنصره ولكن الولاء هو للوطن أولاً.

6 ـ القضاء مستقل والعمل السياسي فيه ممنوع .                                                        

7 ـ الجيش هو جيش الشعب والعمل السياسي فيه محدود بالدور القومي للقوات المسلحة عبر مجلس خاص ينسق مع السلطة السياسية في القضايا الكبرى لا باعتباره قوة بل لأنه قطاع وطني وهام .

8 ـ الأحكام العرفية لا تطبق إلا في الحرب الفعلية والكوارث وماعدا ذلك يخضع الجميع لسيادة القانون والقضاء.

مثل هذا الميثاق الوطني يوجد الشعب ويدعم عملية التحرير ولا يؤخرها في هذا الإطار فإن الفرق بين ديمقراطية مطلوبة لتأمين الاستقرار للخارج الاستعماري وبين ديمقراطية مطلوبة للوحدة الوطنية كبير جداً وفي الخيار نحن مع دولة نصنعها ونحبها ومع ديمقراطية تتولد من وحدتنا لا ديمقراطية يفرضها علينا الاستعمار وليس أمامنا متسع طويل للاختيار فماذا نختار ؟

هذا هو الواقع للديمقراطية في المجتمع العربي وهذه هي التحديات التي تواجه العاملين من أجلها وتلك هي بعض الأفكار المساعدة على صعود الديمقراطية وعلى بقائها ومثل هذه الأفكار ليست مفروضة على أحد ومن المفيد والضروري أن يدور الحوار حولها فقد يدفع الحوار إلى أفكار أفضل في تحصين العملية الديمقراطية وحمايتها من هجمات المستبدين الذين يريدون الاستبداد السياسي أو الاستبداد الديني ولا يريدون الحرية أبداً .

 

 

 

سلبيات السياسة الأمريكية وايجابياتها

 

بعد هذا العرض التاريخي للسياسة الأمريكية فإن من سلبيات هذه السياسة هي نشر الحكومات العسكرية والديكتاتورية وتشجيع الحركات الدينية للحصول على استقرار لا تخترقه الشيوعية مادام التيار الديني يرفض الشيوعية وما دامت الحكومات الديكتاتورية تقمع الشيوعيين والحركات الاشتراكية.

 هذه الأوضاع التي تم ترتيب المنطقة على أساسها أثناء الحرب الباردة أفرزت استبداداً مرعباً وظلماً لا مثيل له في التاريخ ونهباً للثروات وإفقاراً للناس وقضاء تماماً على الطبقة الوسطى ذات المصلحة في الاعتدال فذهب الناس إلى الله لاجئين وتصيدتهم على الطريق زعامات تستخدم الدين في السياسة وتعتمد العنف وتتعصب ضد الآخرين ديناً أو جنساً أو طائفة فصارت المنطقة ساحة للإرهاب الذي يهدف إلى إعادة صدام الحضارات والأديان....

ومن السلبيات أيضاً فقدان العدالة الأمريكية في الموضوع الفلسطيني لأن خلق دولة دينية في الشرق الأوسط وتمكينها من طرد السكان العرب كان ظلماً لا مثيل له ويتناقض مع مبادئ المجتمع الأمريكي التي لا تفرق في الدين واللغة والجنس واحترام حقوق الناس وحرياتهم وهذا أمر أساس في صلب الدستور الأمريكي وفي حركة البدايات لقيام الولايات المتحدة.

 كان الأمريكيون مع حق تقرير المصير لكل شعوب العالم بعد الحرب العالمية الثانية وساهموا في إنهاء الاستعمار في العالم ولكنهم في فلسطين فعلوا العكس وخضعوا لضغط اليهود الذين تمكنوا من السيطرة على المصارف والإعلام وأثروا في الانتخابات إلى درجة أن الكثيرين اعتبروا دولة إسرائيل ولاية أمريكية بامتياز.

من الإيجابيات حالياً هو المشروع الأمريكي لنشر الديمقراطية في المنطقة العربية ولو أنه ليس حباً بالعرب ولا اعترافاً باستحقاقهم لها بل لأن الديمقراطية ضرورية كمتنفس لاحتواء التيارات الدينية المتطرفة ومنع إمدادها بالغاضبين والمظلومين الذين يأتون من مجتمع الديكتاتوريات ومن استمرار الغزو والتوسع الصهيوني .....

دولة فلسطينية ذات حدود وسيادة ومجتمع ديمقراطي سياسة أمريكية جديدة تلتقي بطموحات الشعوب في المنطقة اتفاقاً مع الأمريكيين أو بدون الاتفاق معهم وفي المحصلة قد يخفف ذلك الشعور العام المعادي للأمريكيين.

إن نجاح الديمقراطية حاجة ضرورية للسلام في الشرق الأوسط أيضاً لأن فقدان الديمقراطية في دول المنطقة يجعل أي سلام يوقع من زعيم عربي سلاماً هشاً يمكن أن يتبدل بين ليلة وضحاها على عكس الدول الديمقراطية التي تلتزم بالمعاهدات التي عقدت بعد دراسات ومفاوضات لا تلبية لإرادة شخص واحد لم ينتخبه احد ويعتبر نفسه نصف إله.

 إن طبيعة السلام تحتاج للديمقراطية لأن المعاهدات التي يوقعها زعيم يصادف وجوده أو يتم إعداده للتوقيع هي قصاصات من الورق تدرسها نعال الأقوياء.

 إن الصهاينة حددوا موقفهم من السلام ويحاولون تجزئة العالم العربي إلى دول طائفية ودينية وعنصرية ومحكومة بالاستبداد لأن هذا الوضع هو الذي يعطيهم الضمانات لأي سلام يجبرهم المجتمع الدولي عليه ولا يريدونه أصلا .

إن الحكومات العربية اليوم لا تريد الديمقراطية وستقاومها وأثناء الحرب على العراق اتفق القادة العرب على مقاومة المشروع الأمريكي لنشر الديمقراطية وكانوا وراء إغراق العراق في مستنقع الدم لمنع تحوله إلى الديمقراطية.

لكي يتوقف كره العرب للأمريكيين ولكي لا ينقسم العرب إلى دول عديدة أخرى ولكي تسود عدالة لا يخترقها ظلم جديد أو مظالم أخرى فإن الطريق الديمقراطي هو الأفضل واختياره من الأمريكيين كسياسة ومن العرب كطموح أمر يمكن بناء علاقات متنورة بين الطرفين عليه بديلاً عن صراع الحضارات والتهديد الاستعماري والغزو.

إن النظر إلى الشرق الأوسط على أنه آبار نفط لا دولاً ولا شعوباً لا يمثل العقلانية السياسية وإهمال حق هذه الدول في الاستقلال وحق شعوبها في الحرية يتناقض مع المبادئ التي نادت بها الولايات المتحدة في البدايات.

إن على الولايات المتحدة أن تفكر في علاقتها مع العرب بما هو أبعد من النفط متحالفة مع الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير فتحصل على الاستقرار في موارد النفط وعلى سوق اقتصادية كبيرة لمنتجاتها وتزول حالة الكره للسياسة الأمريكية والتي امتدت من العرب إلى المسلمين في العالم وأنتجت إرهاباً وتطرفاً.

العدالة في الموضوع الفلسطيني على سلام يقوم على دولتين لهما حدود وسيادة وتعويضات للاجئين أمر يمكن تحقيقه مادام العرب قد اعترفوا بوجود إسرائيل وأبدوا استعدادهم للصلح معها وهذه العدالة تستلزم موقفاً أمريكياً صلباً يضع المصالح القومية الأمريكية فوق اعتبارات الضغط الانتخابي للمجموعات الدينية التي تريد التوسع في فلسطين والشرق..

أبعد من النفط هو أن يحب العرب والعالم الولايات المتحدة كمركز إشعاع حضاري وديمقراطي وهذا لا يمكن أن يتحقق بدون التوقف عن مساندة الديكتاتوريات والحكام الفاسدين وبدون حل عادل وقرار حاسم في سلام الشرق الأوسط.

أبعد من النفط وأهم منه هو الدور الحضاري والديمقراطي للولايات المتحدة في العالم والذي كان في البدايات وماعدا ذلك هو سباحة في الفراغ ولن نحصد خيراً ولا سلاماً.

إن العلاقات العربية - الأمريكية التي تدهورت بسبب تأييد الديكتاتوريات وفقدان العدالة في الموضوع الفلسطيني يمكن مع تبديل ذلك أن تشهد صعوداً جيداً وتطوراً اقتصادياً كبيراً وننتهي من صدام الحضارات ومن الإرهاب والتطرف.

فهل نشهد في المدى المنظور حزماً أمريكياً بهذا الاتجاه؟..هذا هو السؤال..

 

 

 

 

              

 

 

 

 

 

 

 

 

بطاقة تعريف بالمؤلف

 

*ولد في حماة 1935 من أبوين حمصيين .

*انتخب في دمشق رئيساً لأول مؤتمر للطلبة في 16/11/1952.

*قاد مقاومة حكم أديب الشيشكلي في مدارس حماه ولوحق وتوارى عن الأنظار حتى سقوط الحكم الديكتاتوري.

*تخرج من جامعة دمشق - كلية الحقوق عام 1958 مع دبلوم اختصاص في الحقوق الدولية والدستورية.

*ساهم في تحرير جريدة كفاح المغرب العربي.

*عين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رئيساً لقسم الفتوى والتشريع وأصدر أول كتاب في شرح قانون العمل الموحد عام 1959 وأسس أول معهد نقابي .

*استقال في عام 1960 من وزارة العمل احتجاجاً على حل الاتحاد العام لنقابات العمال خلافاً لاتفاقية الحريات النقابية الدولية.

*عمل محامياً في حمص وقيادياً في حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1961 ومسؤولاً عن قطاع العمال فيه وتخرج من مكتبه 213 محامياً أستاذاً.

*اعتقل في 8/3/1963 وعذب وأودع سجن المزه العسكري حتى تموز1963.

*التحق بحركة الاشتراكيين العرب بعد الانفصال عن حزب البعث وصار عضواً في المكتب السياسي ثم أميناً عاماً مساعداً ثم أميناً عاماً مؤقتاً حتى الآن.

*وقع وثيقة وحدة حركة الاشتراكيين العرب ووضع البرنامج المتطور لأفكار الحركة ومثل في كل مراحل حياته الجناح الذي يوالي الحرية وبرز كمفكر سياسي معارض على صعيد سورية.

*أصدر عدداً من الكتب القانونية والسياسية والأدبية وحاضر في جميع المراكز الثقافية.

 

الفهرس

 

1* أفكار في البداية .

2* السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى .

3* العلاقات العربية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية .

4* السياسة الأمريكية وقرار تقسيم فلسطين .

5* فلسطين بين الموقف الأمريكي والموقف السوفييتي .

6* العلاقات الأمريكية العربية أثناء الحرب الباردة .

7* الدور الإسرائيلي في المنطقة .

8* الولايات المتحدة والصعود القومي العربي .

9* الولايات المتحدة وقطر والبحرين .

10* الولايات المتحدة وسورية .

11* السياسة الأمريكية والوحدة مع مصر .

12* السياسة الأمريكية ومرحلة حافظ الأسد .

13* الولايات المتحدة وفكرة الوحدة العربية .

14* الموقف الأمريكي من انقلاب القذافي في ليبيا .

15* الأمريكيون واليمن .

16* الأمريكيون والسعودية .

17*السياسة الأمريكية في الأردن .

18* الولايات المتحدة والسلام مع الفلسطينيين .

19* الولايات المتحدة ولبنان .

20* الولايات المتحدة والسودان .

21* الأمريكيون والدور المصري .

22* الولايات المتحدة وإيران .

23* أسباب الخلاف الأمريكي مع إيران .

24* الولايات المتحدة والعراق .

25* الولايات المتحدة والولاء المزدوج .

26* الولايات المتحدة والمشروع الديمقراطي .

27* سلبيات السياسة الأمريكية وإيجابياتها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتب المؤلف

1 ـ شرح قانون العمل الموحد

2 ـ الموسوعة العمالية القضائية

3 ـ قضايا التسريح في القانون السوري

4 ـ نحو فكر تقدمي للطبقة العاملة

5 ـ تفجير النفط                               

6 ـ أصوات الناس                            

7 ـ قضايا عربية                              

8 ـ مواقف في الزمن الصعب                

9 ـ التحليل السياسي في قضايا الشرق الأوسط            

10 ـ أفكار من عصر قادم                      

11 ـ لبنان                                   

12 ـ ترتيب العالم                        { ترجم للإنكليزية }        

13 ـ ذكريات سياسية                       

14 ـ المحاكمة { صدام حسين }                                     

15 ـ العراق والمهمة المستحيلة                           

16 ـ المضحك المبكي                                        

17 ـ حوارات في عالم الغيب                           

18 ـ الجبل وغروب المدن                         

19 ـ المذهب العلوي ونظرية المعرفة

20 ـ محاضرات

21 ـ حمص في التاريخ

22 ـ الاشتراكيون العرب ... الفكر والتاريخ

23-أدب وسياسة

24-السلام في عقل الشرق

25-محطات في التاريخ المسيحي

26-العروبة والإسلام وتحديات العصر

27ـ دور المسيحية الشرقية في حضارة العرب

28-من النفاق الديني إلى النفاق السياسي

29ـ دمشق ...... الروح والحلم

30ـ فارس الخوري الظاهرة والمعنى

31ـ المرأة في التاريخ

32ـ العرب والديمقراطية

33ـ الشرق روح العلم

34ـ التلاحم بين الآرامية و العربية

35ـ الإصلاح السياسي في سورية

36ـ العرب والرأسمالية الجديدة

37ـ الشيخ أمين الجندي والقدود الحمصية

 

Articles

Copyright © 2012 Hachwa
Last modified: 03/19/13 
Hit Counter